للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القياس من وجهين: أحدهما،: أن التراب مُلَوَّث لا يُزيلُ دَرَنًا ولا وَسَخًا ولا يطهِّر البدن كما لا يطهِّر الثوب، والثاني: أنه شُرع في عضوين من أعضاء الوضوء دون بقيتها، وهذا خروجٌ عن القياس [الصحيح] (١).

ولعمرُ اللَّهِ إنه خروج عن القياس الباطل المُضادِّ للدين، وهو على وفق القياس الصحيح؛ فإن اللَّه سبحانه جعل من الماء كل شيء حيّ، وخَلقَنا من التراب، فلنا مادتان: الماء، والتراب، فجعل منهما نَشْأَتَنا وأقواتنا، وبهما تطهَّرَتا وتعبَّدَنا، فالترابُ أصلُ ما خلق منه الناس، والماءُ حياةُ كل شيء، وهما الأصل في الطبائع التي ركَّب اللَّه عليها (٢) هذا العالم وجعل قوامه بهما، وكان أصلُ ما يقع به تطهير الأشياء من الأدناس والأقذار هو الماءُ في الأمر المعتاد، فلم يجز العدولُ عنه إلا في حالة العَدمِ أو العذر بمرض ونحوه (٣)، وكان النقل عنه إلى أخيه وشقيقه التراب أولى من غيره، وإن لَوَّثَ ظاهرًا فإنه يُطهِّر باطنًا ويقوِّي (٤) طهارة الباطن فيزيل دَنَسَ الظاهرِ أو يخففه، وهذا أمر يشهده من له بصر نافذ بحقائق الأعمال وارتباط الظاهر بالباطن وتأثر كل منهما بالآخر وانفعاله عنه.

[فصل [الحكمة في كون التيمم على عضوين]]

وأما كونه في عضوين ففي غاية الموافقة للقياس والحكمة، فإن وضعَ الترابِ على الرؤوسِ مكروهٌ في العادات، وإنما يُفعل عند المصائب والنوائبِ، والرِّجْلَان محل ملابسة التراب في أغلب الأحوال، وفي تتريب الوجه من الخضوع والتعظيم للَّه والذل له والانكسار للَّه ما هو من أحبِّ العبادات إليه وأنفعها للعبد، ولذلك (٥) يستحبُّ للساجد أن يترِّبَ وجهه للَّه، وأن لا يقصد وقاية وجهه من التراب كما قال بعض الصحابة لمن رآه قد سجد وجعل بينه وبين التراب وِقايةً فقال: "تَرِّبْ وجهك" (٦) وهذا المعنى لا يوجد في تتريب الرِّجْلين.


(١) انظر: "البناية شرح الهداية" (١/ ١٧٥)، و"بدائع الصنائع" (١/ ٢٠)، وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٢) في (د) و (ك): "عليهما".
(٣) في (د) و (ك): ". . . العدم والعذر بمرض أو نحوه".
(٤) في (د): "ثم يقوى".
(٥) في (ن): "وكذلك".
(٦) أخرج أحمد (٦/ ٣١٠، ٣٢٣)، وإسحاق بن راهويه (٩٠، ٩١، ٩٢)، والترمذي (٣٨١، =

<<  <  ج: ص:  >  >>