للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه أن مجموع العقدين مشروع؛ لأن الاجتماع قد يؤثر في الحُكْم الشرعي (١)، جاء في الموافقات: "الاستقراء من الشرع عرف أن للاجتماع تأثيرًا في أحكام لا تكون في حالة الانفراد. . . ونهى الله عن الجَمْع بين الأختين في النكاح، مع جواز العقد على كل واحدة بانفرادها. . . وذلك يقتضي أن للاجتماع تأثيرًا ليس للانفراد" (٢)، ولذلك لا بُدَّ من وجود دليلٍ خاصّ يقضي بالجواز.

الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلًا على خيبر، فجاءه بتمر جنيبٍ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكل تمر خيبر هكذا"؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصَّاع من هذا بالصَّاعين، والصَّاعين بالثلاثة. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تفعل، بعِ الجمع بالدَّراهم، ثم ابتع بالدَّراهم جنيبًا" (٣) [متفق عليه].

وجه الاستدلال من الحديث: أن في هذا التوجيه النبوي مخرجًا للابتعاد عن حقيقة الرِّبا وصورته، إلى طريقة ليس فيها قصد الرِّبا، ولا صورته، فالحديثُ نصّ في جواز عقد صفقتين متتاليتين لأجل تجنُّب الوقوع في الرِّبا، وإذا جاز هذا فيكون بيع التَّورُّق جائزًا من هذا الباب، إذ هو عبارة عن عقدين، كلّ عقد منهما صحيح مشتملٌ على تحقيق شروط البيع، وأركانه.

ويمكن أن يناقش الاستدلال بالحديث:

أن الذي أمر الرجلَ بأن يبيعَ الجمع بالدَّراهم، ليشتريَ بها جنيبًا هو نفسه - صلى الله عليه وسلم -، الذي ذمَّ الحِيَل، وحذَّرنا منها، حيث قال: "قاتل الله اليهودَ، حُرمت


(١) انظر: التَّورُّق والتَّورُّق المنظم. د: سامي السويلم (٤٧).
(٢) الموافقات للشاطبي (٣/ ١٩٢).
(٣) انظر: صحيح البخاري: كتاب البيوع. باب: إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه (٢/ ٧٦٧) رقم (٢٠٨٩) وصحيح مسلم: كتاب المساقاة. باب: بيع الطعام مثلًا بمثل (٣/ ١٢١٥) رقم (١٥٩٣).

<<  <   >  >>