للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إمام من الأئمة، فهم -رحمهم الله- أعلم بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ودينه، وأتقى له من أن يفتوا بالحِيَل المحرمة.

وإذا عرفنا موقفَ الحنفية من الحِيَل، نستطيع أن نقول: إن التَّورُّق المصرفي يكون ممنوعًا عند الحنفية، بناءٌ على قولهم بمنع الحِيَل المحرمة، وأما كون التَّورُّق المصرفي حيلة محرمة فهو أمر ظاهر؛ "لأن المقصود بها هو تحليل حرام، وهو الحصولُ على النَّقْد الحال في مقابل دفع أكثر منه في الأجل، واتخذت سلسلة من البيوع، والاتفاقيات، شاركت فيها مجموعةٌ من المؤسَّسات بخطة محكمة، وهذه العُقُود لا هدف، ولا غاية للمُتَوَرِّقين فيها، بل إن الرابطة تجمع عقودًا في عقد واحد وإن لم يصرح بذلك، لكنه معلومٌ بالقطع من القرائن، والأحوال، وطبيعة المعاملة" (١).

٢ - عرفنا فيما سبق أن الحنفية يحرمون العِيْنَةَ بصورتها، التي فيها عود السِّلعة إلى بائعها الأول، سواء أكان عودها مباشرة، أم بواسطة طرف ثالث محلل، وإذا كانت العِيْنَة بصورتها المعروفة محرمة عند الحنفية، فالتَّورُّق المصرفي يكونُ ممنوعًا؛ لأنه يمكنُ أن يقال: إن حقيقة التَّورُّق المصرفي عينة محرمة، وبيان هذا يتَّضح في الآتي:

أن العميلَ (المُتَوَرِّق) لم يذهبْ إلى البنك إلا رغبة منه في الحصول على نقود، وبذلك نعرفُ أن العميل لا يريدُ أن يتحمل تكاليف قبض السِّلعة، ونقلها، وحيازتها، بل يريد التخلصَ من السِّلعة، وحيث إنه لا يجوزُ بيع السِّلعة على البنك لأنه عينة محرمة، فلا سبيلَ للتخلص من السِّلعة إلا بطريق توكيل البنك في بيعها، "فلولا وكالةُ المصرف بالبيع نقدًا لما قبل العميل بالشِّراء منه بأجل ابتداء، فالمصرفُ يعلن للملأ أنَّه يقدم تمويلًا نقديًا على أسس إسلامية، وهذا


(١) تعليق على بحوث التَّورُّق، حسين حامد حسان (١٢).

<<  <   >  >>