للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عامة، حيث إنهم يرون أن العبرةَ في العُقُود بالظاهر، ولا تأثيرَ لنية المتعاقدين على العقد، ولا يعني هذا جواز إضمار نيَّة المحرم؛ لأنَّ الشافعية يفرِّقون بين صحة العقد وبين نية العاقد، فإذا نوى شخصٌ ما هو محرم أثم، ولا يستلزمُ بطلان العقد عندهم، وقَولُهم بجواز الحِيَل، وبيع العِيْنَة يستلزمُ القَول بجواز التَّورُّق المصرفي، ولكن الأمر ليس كذلك، فالشافعيةُ مع أنهم يقولون بجواز الحِيَل والعِيْنَة، إلا أن التَّورُّق المصرفي لا يدخلُ في العِيْنَة التي أجازها علماء الشافعية، بل يكون التَّورُّق المصرفي بصورته المعروفة اليوم محرّمًا عند الشافعية، ودليل أنَّه محرّم عندهم ما يلي:

أن الشافعية حينما أجازوا بيعَ العِيْنَة، فقد أجازوه بشرطين، هما:

١ - أن لا يكونَ هناك ارتباطٌ بين البيعتين، بحيث لا تظهرُ نية الحصول على النَّقْد، وقد فُهِمَ هذا الشَّرْط من كلام الشافعي -رحمه الله- حينما تحدَّث عن العِيْنَة، فقال: "وليست البيعة الثانية من البيعة الأولى بسبيل" (١)، فإذا كان هناك ارتباطٌ بين البيعتين بحيث تظهرُ نية الحصول على النَّقْد، فلا تصحُّ العِيْنَة عنده؛ لأنها ستكون حينئذٍ

تحايل لاستحلال الرِّبا، ولذلك فإن أكثر علماء الشافعية ينصُّون على قيد القبض في تعريفهم لبيع العِيْنَة -كما سبق في تعريف بيع العِيْنَة عند الشافعية-؛ لأنه إذا وجد القبض دلَّ على أنَّه ليس هناك ارتباطٌ بين البيعتين، وإذا لم يوجد القبض، فإن ذلك يوحي بفسادِ نيَّة المتبايعين التي يترتب عليها بطلانُ البيع؛ لأنَّ عدم القبض يعطي دلالةً على أن نية المتبايعين هي الحصولُ على النَّقْد، واتخذت صورة البيع حيلة لاستحلال الرِّبا، فالشافعية ينصُّون على القبض في تعريفهم لبيع العِيْنَة، لكي يثبتوا أن البيعة الثانية ليستْ من البيعة الأولى بسبيل.

٢ - أن لا يكونَ العقدُ الثاني مشروطًا في العقد الأول، إما بالنَّصِّ عليه، أو


(١) الأم (٣/ ٧٨).

<<  <   >  >>