للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البائع الأول في العِيْنَة، وبذلك يمكن أن نقول: إن التكييفَ الفقهيَّ للتورق المصرفي هو: أنَّه عينة محرمة.

الأمر الثاني: أن التَّورُّق المصرفي حيلة محرَّمة لاستحلال الرِّبا، بدليل أنها عملية تبدأ وتنتهي في جلسة واحدة، وبمجرد توقيع بعض الأوراق، يكون العميلُ قد اشترى، ووكَّل، وباع، وحصل له ما يريد من النقود مقابل زيادة في ذمته، وهذه هي حقيقة الرِّبا المحرم، فالسلسلة التي نراها من العُقُود والاتفاقيات أثناء عملية التَّورُّق المصرفي، ليست إلا حيلة لتجويز هذه العملية، بدليل أن العميل يشتري السِّلعة، ولا يعرف ماهيتها "وهذه العُقُود لا هدف ولا غاية للمتورقين فيها، بل إنها الرابطة تجمع عقوداً في عقد واحد، وإن لم يصرح بذلك، لكنه معلومٌ بالقطع من القرائن، والأحوال، وطبيعة المعاملة" (١).

وبذلك يمكن أن نقول: إن التكييفَ الفقهيَّ لهذه العملية هو أنها حيلة لاستحلال الرِّبا.

وإذا ثبت أن التَّورُّق المصرفي حيلة من الحِيَل، فإن العلماء -رحمهم الله- يرون أن ارتكاب الحِيَلة أشدّ إثمًا من ارتكاب المحرم مباشرة، يقول ابنُ القيم: "ولهذا مسخ الله اليهود قردة لما تحيلوا على فعل ما حرمه الله، ولم يعصمهم من عقوبته إظهار الفعل المباح، لما توسَّلوا به إلى ارتكاب محارمه. . . فإن اليهود لم ينفعهم إزالة اسم الشحوم عنها بإذابتها، فإنها بعد الإذابة يفارقها الاسم، وتنتقل إلى اسم الودك، فلما تحيَّلُوا على استحلالها بإزالة الاسم لم ينفعهم ذلك. . . فإن من أراد أن يبيع مئة بمئة وعشرين إلى أجل، فأعطى سلعة بالثمن المؤجَّل، ثمَّ اشتراها بالثمن الحال، ولا غرض لواحد منهما في السِّلعة بوجه ما، وإنما هي كما قال فقيه الأمة: دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة (٢) فلا


(١) تعليق على بحوث التَّورُّق. حسين حامد حسان (١٢).
(٢) انظر: مصنف ابن أبي شيبة. كتاب البيوع: من كره العِيْنَة (٤/ ٢٨٢) رقم (٢٠١٥٧).

<<  <   >  >>