للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الحِيَل لا تجوزُ أن تنسب إلى إمام، فإن ذلك قَدْحٌ في إمامته، وذلك يتضمَّنُ القَدْحَ في الأمة، حيث ائتمتْ بمن لا يصلح للإمامة، وهذا غيرُ جائز، ولو فُرِضَ أنه حُكي عن واحدٍ من الأئمة بعضُ هذه الحِيَل المجمع على تحريمها، فإمَّا أن تكونَ الحكايةُ باطلة، أو يكون الحاكي لم يضبطْ لفظه. . . فعلمت أن هؤلاء المحتالين، الذين يفتون بالحِيَل، التي هي كُفْر أو حرام ليسوا مقتدين بمذهبِ أحدٍ من الأئمةِ وأنَّ الأئمةَ أعلمُ بالله ورسوله ودينه، وأتقى له من أن يفتوا بهذه الحِيَل" (١).

٢ - كتاب (المخارج في الحِيَل)، هو كتابٌ منسوبٌ إلى محمد بن الحسن، ولكنْ جرى الاختلاف هل هو من تصنيفه أم لا، وقد ذكر هذا الاختلاف السَّرخسي حيثُ قال: "اختلف الناسُ في كتاب الحِيَل أنه من تصنيف محمد أم لا" (٢)، والذي يترجَّح هو القَولُ بنسبة الكتاب لمحمد بن الحسن، وقد ذكر الكتاب الكثير من الحِيَل التي كانت منتشرةً بين أصحابِ أبي حنيفة.

والحقيقة، أن الحِيَلَ المذكورةَ في كتب الحنفية هي من النَّوع المباح لا من النوع المحظور، فهي من الحِيَل المباحةِ التي يحتالُ بها على التَّوصُّل إلى الحق، أو دفع الظالم بطريقةٍ مباحة. فحيلُ الأئمة ما كانت لهدم مَقْصد الشَّارع، بل كانتْ سبيلًا لتحقيق الأغراضِ الشَّرعية ورَفْع الحرج، بل كانوا -رحمهم الله- يجتهدون في أن لا يكونَ في حِيَلِهم ما يهدمُ مقصدًا شرعيًا (٣).

ثانيًا: موقف المالكية من الحِيَل:

ذَهَبَ المالكيةُ إلى مَنْع الحِيَل وإبطالها، جاء في الموافقات عن الحِيَل:


(١) إعلام الموقعين لابن القيم (٣/ ١٧٨).
(٢) المبسوط للسرخسي (٣٠/ ٢٠٩).
(٣) كتاب (أبو حنيفة. حياته وعصره. آراؤه وفقهه) لمحمد أبي زهرة (٣٧٩).

<<  <   >  >>