للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فإن حقيقتها المشهورةَ تقديمُ عمل ظاهر الجوازِ لإبطال حُكْمٍ شرعيٍّ، وتحويله في الظاهر إلى حُكْم آخر، فمآلُ العمل فيها خَرْمٌ لقواعد الشريعة في الواقع. كالواهبِ ماله عند رأسِ الحول فرارًا من الزكاة" (١).

وَسَنَدُهُم هو القَولُ بقاعدة: [سدّ الذَّرائع] التي تُعتبر من قواعد المذهب المالكي، جاء في الموافقات: "الذرائعُ حَكَّمَها مالك في أكثر أبواب الفقه؛ لأن حقيقتها التَّوسُّل بما هو مصلحة إلى مفسدة" (٢)، فالقَولُ بجوازِ هذه الحِيَل يناقضُ هذه القاعدة.

ثالثًا: موقف الشافعية من الحِيَل:

ذَهَبَ الشَّافعيةُ إلى جواز الحِيَل بناءً على موقفهم من العقود عامة، حيث إنَّ الشافعي رحمه الله يرى أن العبرةَ في العقود بالظاهر، ولا تأثير لنية المتعاقدين على العقد، ولذلك أجاز بيع العِيْنَة -كما سيأتي - التي تُعَدُّ حيلةً من الحِيَل الرَّبوية، يقول -رحمه الله-: "لا يفسدُ عقد أبدًا إلا بالعقد نفسه، لا يفسدُ بشيء تقدّمه ولا تأخّره، ولا بتوهُّم ولا بأغلب، وكذلك كلّ شيء لا نفسده إلا بعقده، ولا نفسد البيوعَ بأن نقولَ: هذه ذريعةٌ، وهذه نيةٌ سوء" (٣).

ولا يعني هذا أنَّ الشَّافعيَّ يجيزُ إضمارَ نية المحرم؛ لأنه يفرقُ بين صحة العقد وبين نية العاقد، فإذا نوى شخصٌ ما هو محرم أثم، ولا يستلزمُ بطلانَ العقد عنده، يقول رحمه الله: "أصلُ ما أذهب إليه أن كلَّ عقدٍ كان صحيحًا في


(١) الموافقات للشاطبي (٤/ ٢٠١).
(٢) المرجع السابق (٤/ ١٩٨).
(٣) الأم (٧/ ٢٩٧).

<<  <   >  >>