للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُروى عن أبي يوسف أنه خالفَ جمهور الحنفية فقال: "لا يكرهُ هذا البيع؛ لأنه فعله كثيرٌ من الصَّحابة، وحمدوا على ذلك، ولم يعدوه من الرِّبا" (١) ورُوي عنه أيضًا أنه قال: "العِيْنَة جائزةٌ مأجورٌ مَنْ عمل بها" (٢).

وقد ذَكَرَ ابنُ عابدين هذا الاختلافَ بين علماء الحنفية، وأن أبا السُّعود حَمَل قول أبي يوسف على عدم عود السلعة إلى بائعها، وقول محمد على عودها (٣).

وبهذا يتَّضحُ أنَّ أبا يوسف لم يقصدْ بقوله بيع العِيْنَة المعروف بصُورته المشهورة بدليل أنه قال: "مأجور مَنْ عَمِلَ بها" ولم يقلْ أحدٌ بقوله هذا حتى عند الشَّافعية لما أجازوا بيع العِيْنَة قد كرهه بعضهم كما سيأتي، ولم يذكروا أنه

يُؤجَر مَنْ عمل بها، وقول أبي يوسف يحتملُ احتمالين:

الأول: أنه أراد بقوله هذا (بيع التَّوَرُّق) فالسِّلْعةُ إذا لم ترجعْ إلى بائعها الأول، وإنَّما باعها المشتري على غير بائعها، فهذا هو التَّوَرُّق.

الثاني: يحتملُ أنه أراد بقوله هذا: (البيع بالأجل مُطْلَقًا) سواء كان المراد من البيع بالأجل التَّوَرُّق أو لا، وهذا ما أميلُ إليه؛ لأن البيعَ بالأجل يُؤجَر من عمل به إذا نوى التيسير على المشتري.

ممَّا سبق يتبيَّنُ أنَّ العِيْنَة بصورتها المعروفة، والتي فيها عَوْدُ السِّلْعة إلى بائعها الأول، أنها لا تجوزُ عند أئمة الحنفية، وينبغي التنبهُ إلى أن حُكْم تحريم العِيْنَة عند الحنفية لا ينطبقُ على التَّوَرُّق الفردي المعروف، حيث إن الحنفية يذكرون التَّوَرُّقَ كصورة من صُور العِيْنَة كما ذكرت سابقًا، ولا يعني هذا أن


(١) حاشية ابن عابدين (٥/ ٣٢٥)، وانظر: شرح فتح القدير لابن الهمام (٧/ ٢١٣).
(٢) حاشية ابن عابدين (٥/ ٢٧٣).
(٣) حاشية ابن عابدين (٥/ ٣٢٦).

<<  <   >  >>