للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني موقفُ الفقهاء المتقدمين من بيع التَّورُّق

أولًا: موقف الحنفية من بيع التَّورُّق:

من يتأمَّلْ كتب الحنفية، فإنه لن يجدَ ذكرًا للتورق بهذا الاسم، وإنما أوردوا صورته كصورة من صور العِيْنَة، فهم سموا التَّورُّق عينة، وحيث إن الحنفية يحرِّمون العِيْنَة، ويذكرون التَّورُّق كصورة من صور العِيْنَة، فقد يتبادر إلى أذهان البعض، ويتصوَّر أن حُكْم تحريم العِيْنَة يشمل بيع التَّورُّق، وتجد هذا التصورَ في بعض البحوث، حيث نسب الكراهة إلى الحنفية، وليس الأمر كذلك، فإن الإمام محمد بن الحسن لما قال: "هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال" (١) كان مراده بيع العِيْنَة، كما سبق بيانه.

وحينما ننظرُ إلى السّرخسي نجد أنه عدَّ التَّورُّق من العِيْنَة، ونصَّ على الكراهة حيث قال -رحمه الله-: "وذكر عن الشعبي أنه كان يكره أن يقولَ الرجل للرجل: أقرضني، فيقول: لا، حتى أبيعك، وإنما أراد بهذا إثبات كراهية العِيْنَة، وهو أن يبيعه ما يساوي عشرة بخمسة عشر، ليبيعه المستقرض بعشرة" (٢). وتعريفه للعينة يدخل فيه التَّورُّق، والسبب الذي جعله يقول بهذا التعريف أن الحنفية يُدْخِلون التَّورُّق ضمن صور العِيْنَة.

وقد نصَّ بعضُ الحنفية على كراهة صورة من صور التَّورُّق، والتي يطلب المُتَوَرِّق فيها القَرْض من التاجر فيرفض، والتاجر يعلمُ بحاجة المُتَوَرِّق، فيقدم التاجر للمتورق سلعة، ويقول: أبيعك هذه السِّلعة بمئة مؤجَّلة لتبيعها أنت في


(١) حاشية ابن عابدين (٥/ ٢٧٣).
(٢) المبسوط (١٤/ ٣٦).

<<  <   >  >>