للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا نعرفُ السبب الذي جعل الشافعية لا يذكرون بيع التَّورُّق في كتبهم، فهم لما أجازوا بيع العِيْنَة مخالفين بذلك جمهور العلماء، فالتَّورُّق يكون أولى بالجواز.

رابعًا: موقف الحنابلة من بيع التَّورُّق:

لم يرد ذِكْرُ التَّورُّق بهذا الاسم إلا عند فقهاء الحنابلة، وهم الذين صرحوا به كمسألة مستقلة، وقد ورد عند الحنابلة أكثر من رأي في بيع التَّورُّق، فبعضهم يرى الجواز، والبعض يرى التَّحريم، حتى إنَّ الإمامَ أحمد -رحمه الله- قد رُوي عنه ثلاثُ روايات في بيع التَّورُّق، فقد روي عنه الجواز، والكراهة، والتَّحريم (١) يقول المرداوي: "لو احتاج إلى نقد، فاشترى ما يساوي مئة بمئة


(١) العجيب أن المصادر لا تذكر أبدًا أوجه الجمع بين هذه الروايات، كما قال لي الدكتور سامي السويلم حينما قابلته لأستفسر عن بعض الأمور، وأوصاني بأن أقرأ بحثه: التَّورُّق والتَّورُّق المنظم. لأعرف أوجه الجمع بين هذه الروايات، وحينما اطلعت على البحث، وجدت أوجه الجمع بين هذه الروايات، وهي كالتالي:
روي عن أحمد: كراهة التَّورُّق، ومعلوم أن الكراهة عند المتقدمين تفيد التحريم غالبًا، تورعًا منهم عن إطلاق القول بالتحريم، يقول ابن القيم: "وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة، فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم
سهل عليهم لفظ الكراهة. . . فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة، وعلى الأئمة" إعلام الموقعين (١/ ٣٩).
وبهذا يزول الاختلاف بين روايتي الكراهة والتحريم، إذ المراد بالكراهة عند الإمام أحمد هو التحريم، فيبقى وجه الجمع بين روايتي التحريم والجواز، وبيان هذا كالتالي: نصَّ الإمام أحمد في رواية على تحريم التَّورُّق، ومعلوم من أصول مذهب أحمد أنه يمنع الحِيَل كلها كما قال ابن قدامة: "قد ثبت من مذهب أحمد أن الحِيَل كلها باطلة" المغني (٤/ ٧٤).

<<  <   >  >>