للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البشر وأهوائهم. فبعد أن قرر الله سبحانه أن كتابه هو الحق الثابت الذي لا مبدّل له. بيّن سبحانه أن أكثر أهل الأرض لا يتبعون إلّا الظن والأوهام والباطل والضلال.

{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (١).

وهذا الظن والوهم باطل وضلال لا قرار له ولا ثبات.

وترجم الأستاذ سيد قطب هذا المعنى في تفسيره فقال: "لقد تمت كلمة الله سبحانه صدقاً فيما قال وقرر، وعدلاً فيما شرع وحكم فلم يبق بعد ذلك قول لقائل في عقيدة أو تصور أو أصل أو مبدأ أو قيمة أو ميزان ولم يبق قول لقائل في شريعة أو حكم أو عادة أو تقليد ...

إنه ليس "المجتمع" هو الذي يُصْدر هذه الأحكام وفق اصطلاحاته المتقلبة ... ليس المجتمع الذي تتغير أشكاله ومقوماته المادية فتتغير قيمه وأحكامه ... حيث تكون قيم وأخلاق للمجتمع الزراعي، وقيم وأخلاق أخرى للمجتمع الصناعي، وحيث تكون هناك قيم وأخلاق للمجتمع الرأسمالي البرجوازي، وقيم وأخلاق أخرى للمجتمع الاشتراكي أو الشيوعي ... ثم تختلف موازين الناس وموازين الأعمال وفق مصطلح هذه المجتمعات!

الإِسلام لا يعرف هذا الأصل ولا يقره .. الإِسلام يعين قيماً ذاتية له يقررها الله - سبحانه - وهذه القيم تثبت مع تغيّر "أشكال" المجتمعات" (٢).

هذا هو الأصل الذي يقرره القرآن، وهذه هي العقيدة التي يتميز بها الإِسلام عن سائر المذاهب البشرية، وتتميّز به شريعته كذلك عن سائر القوانين


(١) تفسير ابن كثير ٢/ ١٦٩ - آية الأنعام ١١٦.
(٢) في ظلال القرآن ٣/ ١١٩٥ - ١١٩٦، وانظر تفسير ابن القيم لمعنى التثبيت فيما سبق ص ٨٥.

<<  <   >  >>