للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشبهة الثانية: أن الله سبحانه قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ثم نزلت آيات بعد ذلك فكيف يكون الدين قد كملِ في ذلك اليوم ورضيه الله في ذلك اليوم .. قال ابن جرير: "أو ما كان الله راضياً الإِسلام لعباده إلّا يوم أنزل هذه الآية؟ " (١).

وأجاب -رَحِمَهُ اللهُ-: فقال: "لم يزل الله راضياً لخلقه الإِسلام ديناً ولكنه جل ثناؤه لم يزل يصرف نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في درجاته (٢) ومراتبه درجة بعد درجة ومرتبة بعد مرتبة وحالًا بعد حال حتى أكمل لهم شرائعه ومعالمه وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه ثم قال حين أنزل عليهم هذه الآية: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} بالصفة التي هو بها اليوم والحال التي أنتم عليها اليوم منه دينا فالزموه ولا تفارقوه" (٣).

وهذا الجواب كاف عن الشبه الثانية، واستعمله هنا جواباً عن قول من قال أن هناك آيات نزلت بعد هذه الآية فلا تكون دالة على إكمال الدين بالمعنى الأول.

فأقول: إن هذا الدين نزل حالاً بعد حال حتى أكمل الله شرائعه وإذا ارتقى الأمر من حال إلى حال ومرتبة إلى مرتبة فلم يبق له إلّا نزر يسير صح أن يقال له قد كمُل، وهذا هو المقصود بالإكمال في الآية، فلا ينافيه نزول آية أو آيتين بعد ذلك، ولعل ربط آية الإِكمال بيوم عرفة في حجة الوداع - دون أن يكون نزولها على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - عند موته - مناسب لإِعلان البلاع لأن يوم عرفة يوم عيد يجتمع الناس فيه فَخُص بنزول هذه الآية لِتُبلِّغَ للناس بعد ذلك ولتغتبط بهذا اليوم ويغتبط بها.

الشبهة الثالثة: أنْ يقال أنا قد وجدنا من النوازل والوقائع المتجددة ما لم يكن في الكتاب ولا في السنة نص عليه ولا عموم ينتظمه.


(١) ٦/ ٨١.
(٢) في المطبوع "في درجات" والصواب ما أثبته في المتن.
(٣) ٦/ ٨١.

<<  <   >  >>