للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان هذا واجبًا لما ذكرناه عند سلف الأمة والخلف كان اجتهاد الخلف - في طلب أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم -، والاحتياط في عدالة الرواة واجبًا عندهم ليكونوا فيما يعتقدونه من ذلك على يقين، ولذلك كان أحدهم يرحل إلى البلاد البعيدة في طلب الكلمة تبلغه عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - حرصًا على معرفة الحق من وجهه وطلبًا للأدلة الصحيحة فيه حتى تثلج صدورهم بما يعتقدونه وتسكن نفوسهم إلى ما يتدينون به ويفارقوا بذلك من ذمه الله في تقليده لمن يعظمه من سادته بغير دلالة تقتضي ذلك، ولما كلفهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- ذلك وجعل أخبار نبيه - صلى الله عليه وسلم - طريقًا إلى المعارف بما كلفهم إلى آخر الزمان - حفظ أخباره - عليه السلام - في سائر الأزمنة ومنع من تطرق الشبه عليها حتى لا يروم أحد تغيير شيء منها أو تبديل معنى كلمة قالها إلا كشف الله تعالى ستره وأظهر في الأمة أمره حتى يرد ذلك عليه العربي والعجمي ومن قَدْ أُهّل لحفظ ذلك من حملة علمه - عليه السلام -، والمبلغين عنه، كما حفظ كتابه حتى لا يطيق أحد من أهل الزيف على تحريك حرف ساكن فيه أو تسكين حرف متحرك إلا يبادر القراء في رد ذلك عليه مع اختلاف لغاتهم وتباين أوطانهم لما أراده الله -عَزَّ وَجَلَّ- من صحة الأداء عنه ووقوع التبليغ لما أتي به نبينا - عليه السلام - إلى من يأتي في آخر الزمان لانقطاع الرسل بعده (١) واستحالة خلوهم من حجة الله عليهم حتى قد ظهر ذلك بينهم، وأيست من نيله خواطر المنحرفين عنه وجعل الله ما حفظه من ذلك وجمع القلوب عليه حجة على من تعبده بعد النبي - عليه السلام - بشريعته ودلالة لمن دعا إلى قبول ذلك ممن لم يشاهد الأخبار وأكمل الله لجميعهم طرق الدين وأغناهم بها عن التطلع إلى غيرها من البراهين ودل على ذلك بقوله تعالى:

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٢).


(١) قارن مع ما ذكرته من نصوص أهل العلم في معنى الحفظ وقد سبق ص ١٢٠ - ١٢١ تجد كلامهم يؤكد بعضه بعضًا ويخرج من مشكاة واحدة.
(٢) المائدة: آية ٣ الدرء ٧/ ٢١٣ - ٢١٤ - ٢١٥.

<<  <   >  >>