للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هل يحصل بمجردها الجزم بعدم المعارض العقلي وهل للقرينة مدخل في ذلك وهما مما لا يمكن الجزم بأحد طرفيه" (١).

وحاصل هذا الاستدلال ما يلي:

١ - أن النقل -وهو الشريعة- ثبتت عن طريق المعجزة التي ميّزت الرسول الصادق عن الدعي الكاذب، والمعجزة إنما تدرك صحتها بالعقل فهو الطريق إلى إثبات الرسالة، فإذا ورد في هذه الرسالة ما يعارضه فهو مردود لأنا لو قبلناه لقبلنا ما يعارض العقل، وهذا إلغاء له، وبه ثبتت الرسالة فإلغاءه إلغاء لها، فلابد من إلغاء ما يعارض العقل، وتوقف إفادة النقل للعلم على انعدام المعارض العقلي.

٢ - أن انعدامه ظني، فقد يكون هناك معارض عقلي للنص لا نعلمه نحن ويعلمه غيرنا، فإذًا تحقق المعارض العقلي ممكن، والعلم بانتفائه غير ممكن، ولذلك تبقى الأدلة النقلية ظنية لبقاء احتمال تحقق المعارض العقلي، ولا يُخْلّصنا من ذلك وجود القرينة التي تقوي الأدلة النقلية لأنّا لا يمكن لنا في العقليات أن نجزم على أساسها بعدم وجود المعارض العقلي.

المطلب الثالث

مناقشة شبهة المخالفين والجواب عنها بأكثر من وجه

قد سبق ذكر شبهة المعتزلة ومتكلمة الأشاعرة وهي أصل الأصول في مسلكهم في النظر، وظاهر أثر الفكر الفلسفي في مادة "دليلهم" وأسلوبه (٢).


(١) المواقف في علم الكلام ٤٠ القاضي عبد الرحمن بن أحمد الأيجي، عالم الكتب بيروت - وقارن إن شئت بين النص المذكور وبين نصوص الفلاسفة والمعتزلة المذكورة في درء تعارض العقل والنقل ١/ ٤ وما بعدها، وانظر مقدمة المحقق من ص ١٠ إلى ص ٢٠، وانظر مذهب المعتزلة في تقديم حكم العقل: فضل الاعتزال ١٣٩، وقد سبقت الإِشارة ص ١٨٩ إلى ما ذكره القاضي عبد الجبار في كتابه المغني.
(٢) وقارن إن شئت بين مادة الدليل وأسلوبه وبين كتاب "الرساله" للشافعي لترى الفرق جليًّا بين أسلوب المتبعين للسنة وأسلوب أهل الكلام.

<<  <   >  >>