للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعبد الله وحده، ولا يمكن أن توسع دائرة العقل البشري الذي يجهل أكثر مما يعلم ليصبح حاكمًا على الأدلة النقلية يصحح منها ما شاء ويبطل ما شاء، لأن ذلك يخرج العقل البشري من العبودية إلى الحاكمية، وهو باطل.

٤ - أن تقديمهم لعقولهم على الأدلة الشرعية ممتنع متناقض (١)، وأما تقديم الأدلة الشرعية على عقولهم فهو ممكن مؤتلف، فوجب الثاني دون الأول.

يدل على ذلك أن علم العقل بالشيء أو عدمه من الأمور النسبية الإضافية وليس صفة لازمة لشيء من الأشياء، فقد يعلم رجل بعقله ما لا يعلمه آخر، ويعلم الإِنسان ما يجهله هو نفسه في وقت سابق.

والمسائل التي يقال أنه قد عارض فيها الشرعُ العقلَ جميعها اختلف فيها العقلاء اختلافًا كبيرًا ولم يتفقوا أن موجب العقل فيها كذا (٢).

ويكفينا أن نعرف ما حدث داخل الأمة الإِسلامية وما هو حاصل في واقع البشرية اليوم لنجزم بهذه الحقيقة، أما ما حصل في داخل الأمة فقد نشأت فرق عد منها العلماء ما يقارب - اثنين وسبعين فرقة (٣) وهؤلاء فيهم من العقلاء


(١) الدرء ١/ ١٤٤ - ولا يقال إن "القياس الشرعي" طريق لإِدراك حكم النص والقياس عمل العقل، فالجواب وسيأتي مفصلًا - إن عمل العقل هنا أنْ يدرك - في بعض المسائل - أن الله حرم كذا لعلة معينة، ثم يدرك مرة أخرى أن هذه العلة وجدت في واقعه لم يُنص على حكمها، فكأنه قال: إن هذه العلة التي رتب الشارع عليها حكمًا معينًا وُجِدت في واقعة أخرى - وهذا جهد بشري كلف الشارع العقل المسلم به - وهو حتى هذه اللحظة لم يشرع ولم يصحح ولم ينسخ ولم يقيد أو يخصص .. فيأتي الشارع ليقول حكمه في هاتين الصورتين التشابهتين فيجعل لهما حكمًا واحدًا، فعمل العقل هنا كشف عن حقيقة الصورتين، وأما الذي حكم على الأولى بحكم وعلى الثانية بالحكم نفسه فإنّما هو الشارع.
(٢) الدرء ١/ ١٤٥.
(٣) انظر ما سبق من الأحاديث التي أشارت إلى ذلك ص ٨٤ - ٨٥ وسبق ذكر أصول فرقهم ص ١٨٣ - ١٨٤ وما بعدها.

<<  <   >  >>