للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتعليم، فتُبنى الحياة بناء إسلاميًا بحيث لا تخرج حادثة من حوادثها عن حكم الله وتُبنى النفوس كذلك ..

ولا يتم ذلك بتة إلا بالجهاد والاجتهاد، ولذلك كان الاجتهاد لازمًا لأنه هو الطريق لتحقيق هذه المهمة.

ولو تصورنا عدم فرضية الاجتهاد وتحقق النص على كل واقعة بحيث يعلمها كل أحد دون اجتهاد لم يكن لتلك الحكم أن تتحقق فلكي يكون هذا الدين دين عمل وتربية وتعليم ونمو وتجدد لا بد من الاجتهاد.

٢ - ويتفرع عن هذه الحكمة حكمة أخرى إلا وهي مراعاة قدرات المكلفين. إنّ أفعال المكلفين ليست على وزان واحد فهذا مكلف لا يُصلحه إلا نوع من التربية -بحسب حاله- وهذا مكلف آخر يُصلحه من التربية نوع آخر، وهذا مكلف يُوصى بوصية معينة، وآخر يُوصى بوصية أخرى، ولا يمكن مراعاة قدرات المكلفين إلا بتحقيق المناط الخاص، وهو من أنواع الاجتهاد.

واسمع إلى الإِمام الشاطبي يبين ذلك أحسن بيان: فقد قسم النوع الثالث من أنواع الاجتهاد وهو تحقيق المناط (١) إلى قسمين:

القسم الأول: "ما يرجع إلى الأنواع لا إلى الأشخاص كتعين نوع المثل في جزاء الصيد .. " وهذا تحقيق عام، وقد يرجع إلى الأشخاص، كمعرفة المجتهد للعدالة مثلًا، فإذا تحقق من وجودها في شخص على حسب ما ظهر له صح منه وقوع الشهادات والانتصاب للولايات وهكذا ..

القسم الثاني: تحقيق المناط الخاص، وهو أدق من القسم الأول، وهو ناشئ عن نتيجة التقوى المذكورة في قوله تعالى:


(١) الموافقات ٤/ ٦٠، والمناط هنا هو السبب أو العلة التي يُناط الحكم بها أي يعلق عليها، وتحقيقه هو تطبيقه على الواقعة، فإذا قلنا يشترط للانتصاب للولايات العدالة، نظرنا بعد ذلك في من يصلح لها فإذا قلنا فلان يصلح لها نكون قد حققنا المناط، وسيأتي بيان ذلك عند الحديث عن أنواع الاجتهاد إنْ شاء الله.

<<  <   >  >>