للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} (١).

ثم قال مبينًا فائدة العمل بمثل هذا النوع من الاجتهاد: "وعلى الجملة فتحقيق المناط الخاص نظر في كل مكلف بالنسبة إلى ما وقع عليه من الدلائل التكليفية بحيث يتعرف منه مداخل الشيطان ومداخل الهوى والحظوظ العاجلة، حتى يلقيها هذا المجتهد على ذلك المكلف مقيدة بقيود التحرز من تلك المداخل، هذا بالنسبة إلى التكليف المتحتم وغيره، ويختص غير المتحتم بوجه آخر، وهو النظر فيما يصلح به كل مكلف في نفسه بحسب وقت دون وقت، وحال دون حال، وشخص دون شخص، إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة (٢) على وزان واحد كما أنها في العلوم والصنائع كذلك فرب عمل صالح يدخل بسببه على رجل ضرر أو فترة ولا يكون كذلك بالنسبة إلى آخر، ورب عمل يكون حظ النفس والشيطان فيه بالنسبة إلى العامل أقوى منه في عمل آخر، ويكون بريئًا من ذلك في بعض الأعمال دون بعض، فصاحب هذا التحقيق الخاص هو الذي رُزق نورًا يعرف به النفوس ومراميها وتفاوت إدراكها وقوة تحملها للتكاليف، وصبرها على حمل أعبائها أو ضعفها ويعرف التفاتها إلى الحظوظ العاجلة أو عدم التفاتها فهو يحمل على كل نفس من أحكام النصوص ما يليق بها، بناء على أن ذلك هو المقصود الشرعي في تلقي التكاليف" (٣).

ثم يحدد بعد هذا البيان معنى تحقيق المناط (٤) فيقول إنّ المجتهد: "يخص


(١) سورة الأنفال: آية ٢٩، ومن التقوى طلب العلم والعمل به والإِخلاص في ذلك كله ومتابعة صحابة الرسول - عليه الصلاة والسلام - فمن تحقق من ذلك تحقق له أن يفرق بين الحق والباطل ويسلم من التلبيس والتخليط.
(٢) المصدر السابق ٤/ ٦١ - ٦٢.
(٣) الموافقات ٤/ ٦١ - ٦٢.
(٤) لا يقال لماذا لم يحدد المعنى ثم يبينه ويشرحه، والجواب أن صنيعه أولى لأنه لما سبق -تحديد المعنى- بذلك البيان المشتمل عل تلك الأمثلة سهل على القارئ إدراك معنى تحقيق المناط الخاص وضرورته، وذلك خير من أن يفاجئ القارئ بتحديد المعنى دون أن يقدم له بعض المقدمات.

<<  <   >  >>