للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينقطع أصل التكليف وذلك عند فناء الدنيا (١)، وهو المقصود من وضع الأدلة بلا نزاع (٢).

أمثلة: قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٣).

في هذه الآية أمر بإشهاد العدل، والعدالة هي مناط الحكم بالشهادة، وعمل المجتهد هو تعيين محلها لأن الناس متفاوتون فيها تفاوتًا كبيرًا، وتعيين العدالة في الشهود كتعيين المسكر من الأشربة يحتاج إلى تحقيق المناط، فإذا نظر المكلف في نوع من أنواع الشراب، قيل له أهذا خمر أم لا؟ فإذا حقق المناط فوجد فيه أمارة الخمر أو حقيقتها بنظر معتبر، قيل له هذا حرام فاجتنبه (٤).

وهذا النوع من الاجتهاد ضروري لكل مفت وحاكم، بل ولكل مكلف، فإن المكلف إذا سهى في صلاته فزاد فيها احتاج أن ينظر في هذه الزيادة هل هي كثيرة من غير جنس الصلاة فتبطلها أو يسيرة فتغتفر -وكذلك سائر تكليفاته.

يقول الشاطبي عند حديثه عن بقاء هذا النوع من الاجتهاد: "ولو فرض ارتفاع هذا الاجتهاد لم تتنزل الأحكام الشرعية على أفعال المكلفين إلا في الذهن لأنها مطلقات وعمومات وما يرجع إلى ذلك منزلات على أفعال مطلقات كذلك، والأفعال لا تقع في الوجود مطلقة، وإنما تقع معينة مشخصة فلا يكون الحكم واقعًا عليها إلا بعد المعرفة بأن هذا المعين يشمله ذلك المطلق أو ذلك العام، وقد يكون ذلك سهلًا وقد لا يكون، وكله اجتهاد" (٥).


(١) الموافقات ٤/ ٥٧ ومجموع الفتاوى ٢٢/ ٧٣٠.
(٢) المصدر نفسه ٣/ ١٩.
(٣) سورة الطلاق: آية ٢.
(٤) مجموع الفتاوى ٢٢/ ٣٢٩ - ٣٣٠، وانظر أمثلة أخرى في الموافقات ٣/ ٢٦ - ٢٧.
(٥) الموافقات ٤/ ٥٩، ويقصد الشاطبي بكونه سهلًا في بعض الأحيان أي أنه لا يحتاج إلى النظر في المقدمة النقلية، لأن الناظر قد يأخذها مسلمة في بعض الأحيان فيعتقد أن الخمر حرام ثم ينزل هذا الحكم على نوع من الشراب فيقول مثلًا: هذا خمر فيشمله التحريم، وقد لا يكون سهلًا وذلك إذا احتاج الأمر إلى تثبت، ومن هنا وجب على الناظر وهو يطبق الحكم على الواقع أن يتثبت ويتروى بعيدًا عن الإفراط والتفريط.

<<  <   >  >>