للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك أنه لا يمكن تحقيق شمول الشريعة في واقع الناس ما لم يعتمد المجتهدون في تفسيرها على لغة العرب، إذ القرآن نزل بلغتهم، ويعتبر فيه ما يعتبر فيها كما قال الإِمام الشافعي وسيأتي تفصيل ذلك، ومن لم يلتزم ذلك وقع في التغيير والتبديل ولم يدرك شمولها وسعتها.

وكذلك إدراك مقاصد الشريعة التي جاءت بها، حتى لا يدخل في هذه الشريعة ما ليس منها ولا يسقط الناس في الحرج وذلك بتعطيل المسائل المستجدة عن حكمها الشرعي.

فالشريعة كما يقول الشاطبي كجسد الإِنسان يتكون من مجموعة أعضاء ولا يمكن تصوره عن النظر في عضو واحد، ولا يحسن أداء مهمته إلا بمجموعه، فلابد من النظر فيها جملة، ولا يمكن أن يعيش الناس في خيرها العميم إلّا أن يدرك أهل الاجتهاد مقاصدها من خلال النظر فيها جملة واحدة.

ومن هنا كان وجود العلماء أهل النظر الشرعي ضرورة لتحقيق شمول الشريعة لواقع الناس، كما كان وجود علماء الطب والهندسة ضرورة لتمكين الناس من الأخذ بالأسباب التي تبعدهم عن الأفات، وضرورة لقيام العمران واستخراج المياه ونحو ذلك.

بل إن وجود العلماء بالشريعة أشد ضرورة، وبفقدهم يصبح الناس سدى بغير آمر ولا ناه ولا واعظ ولا معلم ولا حاكم بالشرع، ولذلك منّ الله على عباده فجعل من هذه الأمة طائفةً قائمة بأمر الله كما جاء في الحديث الذي يرويه معاوية - رضي الله عنه - قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك" (١).

وترجم الإِمام البخاري لهذا المعنى في كتاب الاعتصام بقوله: "باب قول


(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٦/ ٦٣٢ كتاب المناقب.

<<  <   >  >>