للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: "إن الصحابة أجمعوا على استحسان (١) منع الحكم بغير دليل ولا حجة، لأنهم مع كثرة وقائعهم تمسكوا بالظواهر والأشباه، وما قال واحد حكمت بكذا وكذا لأني أستحسنه، ولو قال ذلك لشددوا الإِنكار عليه، وقالوا من أنت حتى يكون استحسانك شرعاً وتكون شارعاً لنا .. " (٢).

وهنا نشير إلى مسلك بعض الباحثين المحدثين حيث زعم بعضهم أن الصحابة كانوا يبنون على غير أصل (٣). وما هذه النظرة من أمثال هؤلاء إلّا موافقة منهم لمذاهب أهل الأهواء .. وهي شبيهة بنظرات الذين يزعمون أنهم يتبعون روح الشريعة كما أشار المودودي وهم في الحقيقة يتبعون روح الثقافة الغربية (٤).

والبناء على أصل شرعي نقله إلينا السلف من الصحابة والتابعين هو طريق عظيم للمحافظة على ثبات الشريعة، فإن اتباع ذلك الأصل الذي ثبتت شرعيته ضابط للاجتهاد عن أن يسلك تلك المسالك الفاسدة التي غُيّر بها الدين وأُدخل فيه ما ليس منه، وبه نميز بين النظر الصحيح والنظر الفاسد، وبه نزيّف تلك الآراء التي تنتسب إلى الشريعة وهي ليست منها لأن كل ما لم يُبْنَ على أصل معتبر كان حقه الإِلغاء لأنه حينئذ مجاف للشريعة، ومن ذلك رد قول المتبعين للمصالح الموهومة المناقضة للشريعة لأن كل ذلك مبني على شفا جرف هار ليس له سند إلّا الأهواء وتخرصات العقول .. ولذلك كان من أعظم سمات المنهج الأصولي عند أهل السنة الرد إلى أصل شرعي من نص أو قياس معتبر .. وهذا هو منهج الصحابة - رضوان الله عليهم -، كما نقل العلماء المعتبرون -رحمهم الله- الإِجماع على ذلك.


(١) الأولى أن يقول "إن الصحابة أجمعوا على منع الحكم بغير ... ".
(٢) المستصفى ١/ ٢٧٨ - ٢٧٩.
(٣) ولهم في ذلك كلام يطول أكثره عند حديثهم عن المصلحة وسيأتي مناقشة شبههم بالتفصيل - إن شاء الله.
(٤) سيأتي معنا مناققة بعض المتأثرين بآراء المستثرقين إن شاء الله.

<<  <   >  >>