للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طيلة أربعة عشر قرناً ... وقد كان منهج النظر الإِسلامي الذي لم يتسلط عليه العقل الفاسد حارساً لهذا الحكم، فالإِجماع منعقد على حرمة الربا قليله وكثيره، وعقول العلماء مذعنة أمام هذا الحكم الشرعي، ولم يستطع حتى زعماء الاعتزال - الذين مجدوا العقل - أن يذهبوا هذا المذهب، ولكن التطرف في تقديم العقل على الشرع - وتغطية ذلك بكثير من الشبه، هو الذي فتح الباب على مصراعيه لهيمنة الفكر الأوروبي والنظام الغربي على الاقتصاد ومناهجه، حتى احتاج الأمر إلى الدعوة إلى صحوة تنهض بالاقتصاد الإِسلامي تنتشله من أحكام القوانين الوضعية وترده إلى حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.

وما زالت هذه الصحوة تشكو من أمثال هذه الفتاوى ومن آثار المسلك العقلي المخالف للنصوص .. الذي به غُيرت الأحكام وبُدّلت، ووُضِعتْ مواضعها أحكام لم تشهد الشريعة بصحتها.

وقد انتقل إلينا هذا المسلك الفاسد من آثار الفلسفة اليونانية على أيدي المعتزلة ومن حذا حذوهم - ومن آثار الفكر الأوروبي الحديث ذي الأصول اليونانية (١) - واتبع أصحابه "المتشابه" فضلوا وأضلوا.

ولننظر الآن في مسألة أخذ الفائدة الربوية، ونتتبع أصلها - مع العلم أن الربا محرم في شرائع الرسل السابقين صلوات الله وسلامه عليهم لقوله تعالى عن أهل الكتاب:

{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (٢).

وقد بدأ تحليله على أيدي طواغيت الفكر في أوروبا في مواجهة رجال الدين النصراني الذين كانوا يحرمون الربا، فقد استخدم المرابون "الفائدة" ..


(١) قارن بين مسلك المعتزلة ومن تبعهم وقد سبق ذكره وبين مسلك هؤلاء انظر ص: ١٦١ - ١٨٧ إلى ١٨٨، ١٩٢ - ٢٠٢.
(٢) سورة النساء: آية ١٦١. وانظر تحريمه على الأمم وكيف احتال على تحليله اليهود وغيرهم - الربا وأثره ٢٩ - ٤٨.

<<  <   >  >>