للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجد خيرًا كثيرًا بإذن الله، وفي هذا الكون طاقات كلية ثابتة يستخرج منها الإِنسان -عن طريق الاستثمار الصحيح- طاقات جزئية لا حصر لها، ولذلك يختلف البشر في إمكان الحصول على ذلك ما بين مستكثر ومستقل، وقد حمّل الله الإِنسان هذا الجهد ليكابد الحياة ويعمل ويُعمر الأرض فتتحقق العبادة بإقامة الخلافة فيها.

والإِنسان في كل ذلك ليس خالقًا ولا منشئًا حتى وإن اكتشف، لأن أصل الخلقة لله سواء في الكون أو الإِنسان، وجهد الإِنسان إنما هو اكتشاف لِما يسره الله له حسب السنن الربانية.

وكذلك هذه الشريعة -التي هي وحي من الله- جعلها سبحانه متضمنة لكليات تشريعية تحفها جزئيات تشريعية كذلك، ثم كلف الأمة المتبعة لهذه الشريعة أن تجهد جهدها في إقامة فرض الكفاية وهو التعلم، وتهيئة طائفة منها لتقوم بمهمة التعليم والاجتهاد وذلك كله فرض كفاية، وعلى الأمة العمل لإقامته، وهؤلاء المجتهدون يستثمرون تلك الكليات التشريعية، وقد علموا منها ومن تلك الجزئيات كيف يتم الاستثمار وتتحقق مقاصد الشريعة، وحينئذ يتحقق لكل جيل عن طريق -المجتهدين- الحكم في مسائل لا يمكن حصرها البتة، وهذا هو غاية الاستثمار للكليات التشريعية (١)، وهذا الاستثمار اكتشاف لحكم الله، وليس إنشاء ولا تشريعًا تمامًا كما تبيّن لنا في الإِعجاز الكوني، ذلك أنَّ اللهَ وحده هو الخالق والمشرع والآمر سبحانه لا إله إلّا هو.

٤ - من مظاهر الإِعجاز الكوني أنك تجد شجرة واحدة -وهي آية من آيات الله - تتفرع عن أصلها فروع كثيرة جدًا، وتجد أيضًا أنواعًا كثيرة من


(١) نتحدث هنا عن الوضع السوي الذي خلق الله الإنسان له، وإلّا فإن هناك أجيالًا تنحرف عن مقصد الإِعجازين الكوني والتشريعي فلا هي استثمرت طاقات الكون، ولا هي اتبعت الشريعة، وهذه الحالة السيئة مرت بأجيال كثيرة جدًا من أجيال البشرية.

<<  <   >  >>