للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - ومن ذلك أنه لما نزل قوله تعالى:

{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} (١)

قال بعض الكفار فقد عبدت الملائكة وعبد المسيح فنزل:

{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (٢)

فقد فهم العرب من مقتضى اللفظ العموم وبادرت أفهامهم إليه، واعتبروا اللفظ بما وضع له في الأصل، وفهمهم هذا معتبر، كيف والقرآن قد نزل بلسانهم (٣).

وأجاب الشاطبي بجوابين:

أحدهما مختصر والآخر مفصل، وأكتفي هنا بالأول وحاصله:

أن العموم الاستعمالي لا يفهم إلا باعتبار المقصد الشرعي فمن فهم مقصد الشارع أدرك العموم الاستعمالي، وكذلك يحتاج إلى إدراك المقصد الاستعمالي العربي، والعرب في إدراك مقصد العربية شرع سواء (٤)، وأما إدراك المقصد الشرعي فالتفاوت فيه حاصل، فليس قديم العهد بالإِسلام كجديد العهد به، ولا الدارس والمشتغل به كغيره ولا المبتدئ فيه كالمنتهي والتفاوت حاصل بين المؤمنين: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (٥).


(١) سورة الأنبياء: آية ٩٨.
(٢) سورة الأنبياء: آية ١٠١.
(٣) الموافقات ٣/ ١٧٣ - ١٧٤.
(٤) يقصد الشاطبي العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، أما غيرهم ممن لم تكن العربية سليقة لهم فهم متفاوتون في معرفة مقاصدها، ولذلك فإن الشاطبي يشترط في المجتهد أن يدرك مقاصد العربية ومقاصد الشريعة وهذا يقتضي أن يدرك العربي معنى اللفظ وإلا احتاج إلى من يدله على معناه كما ورد في الأمثلة السابقة.
(٥) انظر ما سبق ٢١٨.

<<  <   >  >>