للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا هو الذي ورد ذمه في نصوص السلف (١).

وسَّوى الشاطبي بين النظر في القرآن بالرأي وبين إعمال القياس الفاسد -الذين لا يجريان على موافقة الشرع- فذكر أن السلف كانوا يتحرجون من النظر في القرآن وتأويله كما كانوا يتحرجون من القياس، ثم بين سبب ذلك فقال:

"فإن المحظور فيهما واحد، وهو خوف التقول على الله، بل القول في القرآن أشد فإن القياس يرجع إلى نظر الناظر، والقول في القرآن يرجع إلى أن الله أراد كذا أوعنى كذا بكلامه المنزل وهذا عظيم الخطر .. " (٢).

وبهذا يتضح مذهب الشاطبي في القول بالقياس (٣)، وإطراحه للرأي المذموم.

ونختم طريقة الإِمام الشاطبي بتفصيل ما ذكرته في صدر هذا البحث من أن الشاطبي وسط بين المتعمقين في القياس والصادين عنه.

فاقول: ذكر الإِمام الشاطبي مذهب من نفى القياس جملة وأخذ بالنص على الإطلاق، ومذهب من أعمل القياس على الإِطلاق ولم يعتبر ما خالفه من الأخبار جملة، وعلل الشاطبي بعد الشقة بين هذين الطرفين تعليلاً حسناً في عبارة رصينة وقد سبقت الإِشارة إليها وهي قوله:


(١) انظر ما نقل عن أبي بكر وابن عباس وابن المسيب وابن سيرين ومسروق، وإبراهيم وهشام بن عروة وغيرهم ٣/ ٢٨٦ - ٢٨٧ الموافقات؛ وانظر ما سبق ص ٣٧١.
(٢) المصدر نفسه ٣/ ٢٨٨. ومعنى قوله: "يرجع إلى نظر الناظر" أي أن الناظر يقول هذا ما عرفته عندما نظرت في القياس، فهو اجتهاد منسوب إلى الشريعة من طريق غير مباشر، وأما تفسير القرآن بالرأي فهو اجتهاد بالرأي يقول صاحبه معنى الآية كذا، فالمحظور فيهما واحد وهو في الثاني أظهر وأخطر. فلابد من الاستناد إلى أصل شرعي عند القياس وعند تفسير القرآن.
(٣) يرى الشاطبي أن القياس من حيث هو دليل، قطعي" وجزئ القياس من حيث هو قياس معين العمل به ظني، وهذا لا يقدح في أصل المسألة لانفكاك الجهة - الموافقات ٢/ ٢٠٨.

<<  <   >  >>