للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما على مذهب المؤلف - إذا اعتبر جواز التعليل بالحكمة مطلقاً فيلزمه التعدية إلى غير المسافر ويلزمه أيضاً منع الملك المرفه.

[الفرع الثالث]

• الرأي الثالث: التفصيل: يجوز التعليل بالحكمة إذا كانت ظاهرة منضبطة، وأما إذا كانت خفية مضطربة فلا وهو اختيار الآمدي.

واستدل: بأن الحكم إنما ربط بالوصف الظاهر لأنه مشتمل على حكمة خفية، وإننا أجمعنا على ذلك، فإذا عرفت الحكمة وكانت مساوية له كانت أولى بربط الحكم بها (١).

وأعترض عليه بأن إمكان ضبط الحكمة غير مسلم لرجوعها إلى جلب المصالح ودفع المفاسد، وهي مما تخفى وتضطرب فلا تكون منضبطة، وإن أمكن ذلك فلا يمكن إدراكه إلا بعسر ومشقة وحرج وهو مدفوع بقوله تعالى:

{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.

أما منع التعليل بها إذا لم تكن ظاهرة منضبطة فلعدم إمكان الوقوف عليها لاختلاف الأشخاص والأحوال، فيجب ربط الحكم بالوصف الظاهر الذي هو المظنة، وبذلك يُرفع الحرج أيضاً.

ومثاله الملك المرفه فإنه يقصر الصلاة وإن لم تتحقق المشقة في حقه (٢)، والحمالون في البلاد الحارة لا يقصرون في الحضر مع أنهم يجدون أضعاف ما يجده المسافر الذي يقطعِ فرسخاً في كل يوم وسبب ذلك عدم إمكان ضبط المشقة فربطت بالمظنة وجوداً وعدماً.

وأورد عليه: أن الحرج وإن كان موجوداً في البحث عن الحكمة الخفية الا أن ذلك متحققاً عند البحث عنها لمعرفة الوصف الظاهر، بل هو أشق.


(١) الإِحكام للآمدي ٣/ ١٨٦.
(٢) سيأتي عند عرضي مذهب الشاطبي أنه يرى تحقق المشقة بالنسبة للملك المرفه.

<<  <   >  >>