للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفرع الرابع

تحقيق مذهب الإِمام الشاطبي في التعليل بالحكمة

يرى الإِمام الشاطبي تسمية "العلة" - التي يعتبرها الأصوليون الوصف الظاهر المنضبط - سبباً، وعرفه "بأنه ما وضع شرعاً لحكم لحكمة يقتضيها ذلك الحكم" مثل السفر، فإنه سبب لمشروعية قصر الصلاة فيه.

ويرى تسمية "الحكمة" - التي يعتبرها الأصوليون - المناسبة التي اشتمل عليها الوصف الظاهر المنضبط - بالعلة، وهي عنده الحكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر والإِباحة، والمفاسد التي تعلقت بها النواهي.

فالسفر سبب في قصر الصلاة، والمشقة هي العلة التي شرع من أجلها القصر، وقال: "وقد يطلق هنا لفظ السبب على نفس العلة لارتباط ما بينهما ولا مشاحة في الاصطلاح" (١).

فالعلة هي الحكمة التي هي المصلحة أو المفسدة، والإِمام الشاطبي يرى أن المصلحة والمفسدة لا يمكن أن تستقل العقول بإدراكها:

أولاً: لما تقرر أن العقل ليس بشارع، ولو أدرك المصلحة والمفسدة ولم يحتج إلى الأدلة الشرعية لكان مستقلاً في التشريع (٢).


(١) وتارة يطلق لفظ العلة على ما يسميه سبباً، فقد اعتبر الغضب في الحديث "لا يقضي القاضي وهو غضبان" تارة سبباً فقال: "فالغضب سبب وتشويش الخاطر عن استيفاء الحجج هو العلة" الموافقات ١/ ١٧٩، وتارة أُطلق على الغضب في الحديث بأنه علة فقال:" .. نظر -أي المجتهد- إلى علة منع القضاء فرآه الغضب وحكمته تشويش الذهن عن استيفاء الحجاج .. " ١/ ١٣٢.
وقد) شار الدكتور الربيعة إلى أن السبب عنده غير العلة والعلة غير السبب، وهذا إنما هو في الغالب، وإلا فهو يطلق على السبب علة كما مر آنفاً، وجواز إطلاق لفظ السبب على العلة موضع خلاف.
(٢) انظر المقدمة الثالثة، الموافقات ١/ ١٣، وسيأتي لذلك زيادة بيان عند الحديث عن المصلحة إن شاء الله.

<<  <   >  >>