للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالسبب موجب لربط الحكم به سواء تحققت الحكمة أم لم تتحقق واسمع إليه يقول جواباً عن اعتراض أورد عليه، قال: "إن العامل -أي المتعاطي للسبب - قد تعاطى السبب الذي تنشأ عنه المفسدة أو تفوت به المصلحة وهو الشرب والإِيلاج المحرمان في نفس الأمر، وهما مظنتان للاختلاط وذهاب العقل، ولم يضع الشارع الحد بإزاء زوال العقل أو اختلاط الأنساب، بل بإزاء تعاطي أسبابه خاصة .. فالمولج والشارب قد تعاطيا السبب على كماله فلا بد من إيقاع مسببه وهو الحد، وكذلك سائر ما جرى هذا المجرى مما عُمل فيه بالسبب لكنه أعقم" (١).

فالشريعة وضعت الحكم بإزاء السبب ولم تضعه بإزاء الحكمة، وذلك لأن السبب هو المظنة المنضبطة، والحكمة - وهي المصلحة أو المفسدة - تختلف مقاديرها باختلاف الأشخاص والأحوال ...

فإن أمكن معرفتها وربطها بمظنة منضبطة فما الحكم عند الإِمام الشاطبي: فالجواب: أن الأحكام عنده قسمان:

الأول: ما غلب عليه جهة التعبد.

الثاني: ما غلب عليه جهة الالتفات إلى المعاني.

فبالنسبة للأول قال الشاطبي -رَحِمَهُ اللهُ-: " .. علمنا من مقصد الشارع التفرقة بين العبادات والعادات وأنه غلب في باب العبادات جهة التعبد وفي باب العاديات جهة الالتفات إلى المعاني والعكس في البابين قليل .. " (٢).

ثم قال: "وإذا ثبت هذا فمسلك النفي متمكن في العبادات وهو العمدة" (٣) أي فلا نتعدى بالحكم محالها.

أما بالنسبة للثاني فقد قال: إذا كانت العلة معلومة منضبطة "وتعرف العلة


(١) ٢/ ٢٤٩ - ٢٥٠.
(٢) ٢/ ٢٩٣.
(٣) ٢/ ٢٩٣.

<<  <   >  >>