للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخامس: أن التوقف والاحتياط متمكن في العادات لأن العلة إذا لم يوجد لها مظنة منضبطة فالمحل محل اشتباه.

وبعد: فهذا هو مذهب الإِمام الشاطبي، وتعلق الشلبي وغيره بنص واحد من الموافقات لا يفيده شيئاً فيما قاله ونسبه إلى الشاطبي (١)، لأن النص الذي نقله ليس فيه إلا أن الشاطبي يعتبر العلة "هي المصلحة نفسها أو المفسدة نفسها لا مظنتها كانت ظاهرة أو غير ظاهرة منضبطة أو غير منضبطة، وكذلك نقول في قوله - عليه الصلاة والسلام - "لا يقضي القاضي وهو غضبان" فالغضب سبب وتشويش الخاطر عن استيفاء الحجج هو العلة، على أنه قد يطلق هنا لفظ السبب على نفس العلة لارتباط ما بينهما ولا مشاحة في الاصطلاح" (٢).

فإذا أردنا أن نأخذ من هذا النص أن الشاطبي يسمي الحكمة سواء انضبطت أو لم تنضبط "علة" فنعم، أما إن أردنا أن نقول أنه لا يشترط في التعليل بالحكمة كما اشترط بعض الأصوليين فذلك لا يدل النص عليه.

فقول الدكتور شلبي: "فعلى الجملة العلة هي المصلحة نفسها والمفسدة نفسها ولم يشترط فيها الظهور والانضباط كما اشترطوا" غير مستقيم، لأن النص لا يفيد أن الشاطبي يعلل بمطلق الحكمة، ومعرفة مذهبه تكون بدراسة موقفه:


(١) يعتمد بعض الدارسين في نسبة الآراء إلى الأئمة على النظر الأول في نصوصهم دون جمعها ومقابلة بعضها ببعض والنظر فيها وتحقيق معانيها حتى يعرف قصد صاحبها، وهذا النظر الأول يشبه في خطورته تعامل الفرق الضالة مع نصوص الشرع بالنظر الأول.
ويتعلق هؤلاء الدارسين بنص واحد من أقوال الأئمة - عامها وخاصها مجملها ومفصلها محكمها ومتشابهها، مطلقها ومقيدها - وعادة يتعلقون بالمطلق والمتشابه والمجمل والعام، ويغفلون عما سوى ذلك، وفي هذا تكمن خطورة هذا المسلك، تماماً كما صنعت الفرق الضالة فإنها تعلقت بالعام دون الخاص، والمجمل دون المفصل والمتشابه دون المحكم والمطلق دون المقيد ولذلك نسبت إلى الشريعة ما ليس منها. الموافقات ٤/ ١١٤ - ١١٥ - ١١٦ - ١١٧.
(٢) انظر ما سبق ص ٣٩٥.

<<  <   >  >>