للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نظر شرعي، ولا يكتفي فيها بالنظر اللغوي ولا يستقيم إطلاقها من غير ضابط شرعي أيضاً، ودعوى وضوحها لا تصلح لإبعاد النظر الشرعي عنها وتحديد الضوابط، ولو كانت المصلحة ظاهرة معلومة لا تحتاج إلى ضابط أو تعريف فلماذا اختلفت فيها الأنظار سواء أنظار العامة أو العلماء، وهذا الطوفي يخصص بها النص والإجماع - مخالفاً في ذلك إجماع أهل العلم - وهذا الشلبي نفسه يذهب إلى تقديم المصلحة المتغيرة على النص والإِجماع.

ولهذا فإن المحققين من الأصوليين - أمثال الغزالي والشاطبي - يشترطون شروطاً شرعية للعمل بالمصلحة وتابعهما الدكتور حسين حامد حسان وذكر أن المصلحة التي تدخل تحت مقاصد الشارع العامة يشترط لها أحد أمرين: إما أن يثبت الشارع حكماً على وفقها .. وإما أن تكون ملائمة لجنس تصرفات الشارع.

وبهذا النظر الشرعي لا يتصور أن يترك نص بمصلحة قط، وأما إذا قيل أن المصلحة ظاهرة لا تحتاج إلى تعريف، أو وقفنا عند المعني اللغوي - فإن حاصل هذا النظر - هو ترك المصلحة بغير ضوابط لكي تُقدم على النص والإِجماع إما بطريق التخصيص والبيان لهما كما زعم الطوفي وإما عن طريق تغييرهما كما زعم الشلبي.

والبحث في هذا الموضع مقتصر على أهمية تعريف المصلحة لأن النظر فيها نظر شرعي .. وأضيف هنا - للأهمية - تعريف الإِمام الشاطبي لها: يقول: "المراد بالمصلحة عندنا" ما فهم رعايته في حق الخلق من جلب المصالح ودرء المفاسد على وجه لا يستقل العقل بدركه على حال" ثم قال: "فإذا لم يشهد الشرع باعتبار ذلك المعنى بل برده كان مردوداً باتفاق المسلمين" (١).

وهذا التعريف يحدد منهج النظر في "المصلحة" وهو أدق التعريفات وأحكمها، والضوابط الشرعية ظاهرة فيه، فهو يقرر أن النظر في تحديد المصلحة


(١) الاعتصام ٢/ ١١٣، ولم يذكره أستاذي الدكتور حسين حامد في تعريف المصلحة في الاصطلاح، وذكره عند دراسته للمصلحة عند المالكية ٦٢. وسيأتي بمشيئة الله تفصيل أنواع المرسل كما بينها الشاطبي في الاعتصام إن شاء الله ..

<<  <   >  >>