للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع أن نفاة التعليل لا يملكون هذا فإن ابن عمر ليس ممن لا يتبع المعاني، حاصل ما في الأمر أنه شديد الحرص على المتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى في مواطن صلاته في سفره ونحو ذلك.

أما أنه معروف بأنه "لم يكن من أهل المعاني" فهذا ليس في النص المذكور دليلاً على ذلك .. ويدل على ذلك أن الصحابة يعملون بقاعدة سد الذرائع .. قال أستاذي الدكتور حسين حامد في كتابه نظرية المصلحة تعليقاً على محاورة ابن عمر لأبيه: "وهذا لا يفسر خلاف الصحابة حول قاعدة الذرائع، فإن أحداً لا يقول بأن الشارع إذا نهى عن مفسدة فإنه يبيح لعباده الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليها، وإلّا كان ذلك تناقضاً، وكان مؤدياً إلى مخالفة مقصود الشارع من دفع المفاسد ما أمكن الدفع، وسد كل طرق الشر ومسالكه، ولكنه يفسر الخلاف - والله أعلم - في تحقيق مناط هذه القاعدة، فبينما ترى عائشة وابن ابن عمر أن الزمن قد تغير، وأن الدين قد ضعف سلطانه على النفوس وأن الخروج إلى المساجد بالليل يتخذ ذريعة إلى المفاسد غالباً، ولذلك يجب أن يمنع محافظة على قصد الشارع الذي عرف من نصوصه، يرى ابن عمر أن العصر الذي يعيش فيه لا زال عصر طهر وعفاف، وأن حصول مفسدة من خروج النساء نادر أو في حكم المعدوم، وأن في شهود النساء المساجد والجماعات مصالح محققة لا تترك لمفاسد معدومة، ولا يمكن القول بأن ابن عمر يجيز خروج النساء إلى المساجد بالليل، وإنْ كثر حدوث الفسق، وغلب وقوع الفاحشة ممن يتذرعن بهذا الخروج إلى أغراضهن الخبيثة، فإن الشارع لا يرضى بالفاحشة ولا يفتح الطرق إلى الفسق قط ..

فالخلاف في تحقيق مناط القاعدة وتطبيقها على الجزئيات (١) .. فابن عمر - رضي الله عنهما - من أتباع المعاني والمحافظين على نصوص الشرع ومقاصده.

ثم أن اتِّباع الصحابة - رضي الله عنهم - أمثال ابن عمر وغيره والتمسك


(١) ١/ ٢٣١.

<<  <   >  >>