للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المشاحات والخصومات، انتقل منهج التربية الإِسلامية - المتمثل في الكتاب والسنة - إلى مراعاة هذه الوقائع الجديدة، ونزلت أحكام الشريعة بما يفض الخصومات، ويفصل أحكام المكروهات والمحرمات والمندوبات والواجبات.

٣ - أن الفقهاء عنوا أشد العناية بهذه المرتبة، وهي التي تليق بالجمهور فاستنبطوا الأحكام الجزئية الخاصة بها، وقاموا بحماية الحد الفاصل بين الحلال والحرام، وأمَّا ما يخص الأخلاق والارتفاع إلى المنازل العالية فيها، وبذل غاية الجهد في تحقيقها والمحافظة عليها، فقد تركه الفقهاء رحمهم الله لجهد المكلف لأنه في أكثر الأحيان يستقل بمعرفته وتطبيقه، ومتروك لجهده الذاتي وقوة إيمانه ولا تلزمه الشريعة بالمراتب العالية، إلّا أن يلتزمها بنفسه .. وهذه مراتب الإحسان التي حققها الصحابة، وتابعهم فيها أئمة الهدى من التابعين وتابعيهم ومن اقتدى بهم فيها، وبهذا النوع اهتم الزهاد والعباد من أهل العلم، من أمثال مالك وأحمد وغيرهم كثير من العلماء ومن اقتدى بهم (١)، وهذه المراتب هي ما يسميه الشاطبي العزائم المكيات، وهذه هي التي ثبت عليها الصحابة - رضوان الله عليهم - وأولو العزم ممن اقتدى بهم من بعدهم، ولم تزحزحهم عنها الرخص المدنيات، واستمروا في بذل الجهد على التمام (٢).


(١) وهذا الذي لم يفهمه أعداء الإِسلام أو فهموه واستمرؤا المعاندة والمكابرة حتى قالوا إنّ الفترة التي عاشها الصحابة - وهم الجيل الأول - لم تتكرر، والجواب أنها تكررت من ناحية النوع لا من ناحية الكم، وأما من ناحية الكم فإنه لا يتصور أن تكون حالة الأمن في المجتمع الإِسلامي وحالة الكثرة الكاثرة من الأفواج المتدفقة إلى الإِسلام مثل حالة البدء في بناء المجتمع الإِسلامي وحالة القلة التي كانت تتفاعل مع منهج التربية بجميع كيانها العقلي ثم النفسي والروحي والجسدي، ومع هذا فإن هذه الشريعة وإن طلبت من الناس أن يرتفعوا إلى منازلهم - وألزمت من التزم بالقدر الذي التزمه - لكنها لم تلزمهم ابتداءً بتحقيق ذلك المطلوب، ولا يعني أنها خيرتهم في العمل بالشريعة، كلا، وإنما المقصود أنها ألزمتهم بتطبيق الشريعة جملة وتفصيلًا في حياتهم الخاصة والعامة وهذه مرتبة الإِسلام والإِيمان، ولم تلزمهم بمرتبة الإحسان التي هي مرتبة الصحابة رضوان الله عليهم بل ندبتهم إليها وحببتها لهم.
(٢) ٤/ ١٥٦ - ١٥٧.

<<  <   >  >>