للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحمل العلماء هذا الحديث على الشافعي - رضي الله عنه -؛ لأن الأئمة من الصحابة الذين هم أعلام الدين لم تنقل عن كل واحد منهم إلا مسائل معدودة، إذ كانت فتاواهم مقصورة على الوقوع، وكانت همتهم الجهاد مع أعداء الدين لإعلاء كلمة الإسلام، ثم في مجاهدة النفس بالمداومة على الطاعات، فلم يتفرغوا لتدوين العلم، وتصنيف الكتب، والأئمة الذين جاؤوا من بعدهم تشمروا لتدوين العلم وتصنيف الكتب، وجمع الفتاوى لم يكن أحد منهم من قريش، وهو القرشي الذي دون العلم، وصنف الكتب، وجمع الفتاوى فانتشر علمه في الأفق، وتمسك الناس بمذهبه، وامتلأ طبق الأرض من علمه، فكان أولى بأن يكون مراداً بالحديث.

ومنها: ما كان من جده واجتهاده في نصرة الحديث، واتباع السنة حتى لقب حين قدم "العراق" بـ"ناصر الحديث"، وغلب على متبعي مذهبه لقب "أصحاب الحديث"، فلا يعرف به غيرهم.

ومنها: أنه جمع القوة في الحديث والقياس، وأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها من الأحكام على ما هو معروفٌ من مذهبه، ولكل واحد من أئمة السلف سعيٌ كامل في إحياء الدين، وإبقاء العلم على الخلف، فشكر الله سعيهم ورحم كافتهم.

واعلم أن كل من بلغ رتبة الاجتهاد من العلماء إذا عرضت له حادثةٌ يجب عليه أن يطلبها من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، فإن لم يجد لم يكن له أن يقلد فيها عالماً آخر، لا للعمل به، ولا للفتوى، ولا للقضاء.

والتقليد هو قبول قول الغير من غير دليلٍ، بل عليه أن يجتهد، فما أدى اجتهاده إليه بنوع من الدليل عمل به، وأفتى وقضى، وإن اختلف أقاويل العلماء فيه لا يقلد واحداً منهم، بل ينظر في دلائلهم وحججهم، وعمل بما ترجح عنده من الدليل.

وأما العامي ومن لم يبلغ رتبة الاجتهاد ففرضه التقليد، والأخذ بقول أهل العلم قال الله تعالى: {} [النحل: ٤٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>