للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واختلفوا في أنه؛ هل كان للرسول - صلى الله عليه وسلم - مفارقتهن بعد ما اخترنه والدار الآخرة.

منهم من قال: يجوز؛ كما أن واحداً منا لو أراد تطليق زوجته، كان له ذلك.

ومنهم: من قال: كان لا يجوز؛ كما لو اختارت الدنيا، ورغبت عنه، لم يكن يحل له إمساكها، وهذا كان من خصائصه أيضاً؛ فإن واحداً منا لو خير زوجته لم ينو الطلاق، ورغبت عنه - لا يجب عليه تطليقها، وكان يجب عليه ذلك؛ لأن الله - تعالى- وعدهن أنه يطلقهن لو اخترن الدنيا؛ ولأن كل من رغبت عنهن وجب عليه تركها؛ لما رُوي أنه تزوج امرأة، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال: "لقد عُذت بعظيم، الحقي بأهلك".

ولو تصور اختيار واحدة منهن الدنيا، هل كان يقع الفراق بنفس الاختيار؟ فيه وجهان:

أحدهما: بلى؛ كواحد منا لو خيرت زوجته؛ فاختارت نفسها، طلقت.

والثاني- وهو الأصح-: لاحتى يُسرحها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الله - تعالى - قال بعد التخيير: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب: ٢٨] أمر بالتسريح بعد الاختيار؛ لأنه تخيير بين الدنيا والآخرة، ولو خير واحد منا زوجته بين الدنيا والآخرة، فاختارت الدنيا - لم يقع الفراق.

وهل كان جوابهن على الفور؟ فيه وجهان:

إن قلنا: كان يقع الفراق بنفس الاختيار - كان جوابهن على الفور-؛ كواحد منا؛ لو خير زوجته، كان جوابها على الفور.

وإن قلنا: كان لا يقع الفراق بنفس الاختيار- وهو الأصح- كان جوابهن على التراخي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: "ولا عليك أن تستعجلي؛ حتى تستأمري أبويك" فجوز لها تأخير الجواب [إلى إمرة الأبوين].

<<  <  ج: ص:  >  >>