للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

- أو أن هناك من التزم العبادة وترك الحقوق الواجبة كما حدث لأبي الدرداء حينما اعتزل زوجه فهذا يدل على أن التشدد بحيث يفضي إلى الفتور في الحقوق (هو المنهي عنه، لا مطلقاً).

وأما عن حديث رهط من الصحابة، فهو أنهم تقالوا عمل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وظنوا أنه إنما لا يجتهد لكونه مغفوراً له، وأوجبوا على أنفسهم ما لم يوجبه الله، وأعرضوا عن الطريقة السهلة، فلذلك زجرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك، وهداهم إلى طريقته، وقال: "من رغب عن سنتي". أي أعرض عنها غير معتقد حسن ما أنا عليه، كما ظنه ذلك النفر من الصحابة "فليس مني". أي ليس ممن يسلك مسلكي ويهتدي بهديي، ولا دلالة له على أنه إذا اجتهد رجل حسب طاقته غير موجب ما لم يوجبه الله وغير مفضل مسلكه على المسلك النبوي لا يجوز ذلك.

أو أن النهي ورد على قوم حرموا على أنفسهم ما لم يحرمه الله، وأوجبوا على أنفسهم ما لم يوجبه الله، فنهوا عن ذلك، ولا دلالة له على نفي التشدد مطلقاً، بل على التزامه بحيث يورث إلى إبداع أمر في الشرع ليس منه.

ونقل عن البركلي تحقيقاً لدفع التعارض بين هذه الأحاديث وبين مجاهدات السلف ما مضمونه أن المنع عن التشديد في العبادة. إما أن يفضي إلى إهلاك النفس أو إضاعة الحق الواجب للغير أو ترك العبادة أو ترك مداومتها، وإما أن النبي صلى الله عليه وسلم وكونه أرسل رحمة للعالمين. ومؤيد من عند الله فيقوى على ما لا يقوى عليه آحاد الأمة، وإنه أخشى الناس من الله وأتقاهم وأعلمهم بالله، فلا يتصور منه البخل وترك النصح، ولا التواني والتكاسل، ولا الجهل في أمر الدين، فلو كان في العبادة والقرب من الله طريق أفضل وأنفع غير ما هو عليه لفعل أو بيَّنه وحث عليه، فيجزم قطعاً أن ما هو عليه أفضل وأقرب إلى معرفة الله.

فيحمل ما روي عنهم على أنهم إنما فعلوا ذلك التشديد إما مداواة لأمراض

<<  <  ج: ص:  >  >>