للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نظمه، ووجوه تركيبه، ونسق حروفه في كلماتها، وكلماته في جملها، ونسق هذا الجمل في جملته - ما أذهلهم عن أنفسهم، من هيبة رائعة وروعة مخوفة، وخوف تقشعرُّ منه الجلود؛ حتى أحسُّوا بضعف الفطرة القوية، وتخلف الملكة المستحكمة؛ ورأى بلغاؤهم أنه جنس من الكلام غير ما هم فيه، وأن هذا التركيب هو روح الفطرة اللغوية فيهم، وأنه لا سبيل إلى صرفه عن نفس أحد العرب أو اعتراض مساغه إلى هذه النفس، إذ هو وجه الكمال اللغوي الذي عرف أرواحهم واطلع على قلوبهم ... ص ١٨٩.

ويفيض في الكلام في وصف الإعجاز ومما قاله:

وههنا معنى دقيقٌ في التحدي، ما نظن العرب إلا وقد بلغوا منه عجباً: وهو التكرار الذي يجيء في بعض آيات القرآن، فتختلف في طرق الأداء وأصل المعنى واحد في العبارات المختلفة، كالذي يكون في بعض قصصه لتوكيد الزجر والوعيد وبسط الموعظة وتثبيت الحجة ونحوها، أو في بعض عباراته لتحقيق النعمة وترديد المنَّة والتذكير بالنعم واقتضاء شكره، إلى ما يكون هذا الباب ... ص ١٩٣ - ١٩٤.

ويضيف بعد كلام طويل:

وفي القرآن مظهر غريب لإعجازه المستمر، لا يحتاج في تعرُّفه إلى روية ولا إعناتٍ، وما هو إلا أن يراه من اعترض شيئاً من أساليب الناس حتى يقع في نفسه معنى إعجازه؛ لأنه أمر يغلب على الطبع وينفرد به فيبين عن نفسهِ بنفسهِ، كالصوت المطرب البالغ في التطريب: لا يحتاج امرؤ في معرفته وتمييزه إلى أكثر من سماعه.

ذلك هو وجه تركيبه، أو هو أسلوبه، فإنه مباين بنفسه لكل ما عُرف من أساليب البلغاء في ترتيب خطابهم وتنزيل كلامهم، وعلى أنه يؤاتي بعضه بعضاً، وتُناسب كلُّ آية منه كل آية أخرى في النظم والطرقة، على اختلاف المعاني وتباين الأغراض، سواءٌ في ذلك ما كان مبتدأ به من معانيه وأخباره وما كان متكرراً فيه، فكأنه قطعة واحدة ص ٢٠١.

ثم يقول في وصف مظهر آخر من مظاهر الإعجاز:

وبعدُ فأنت تعرف أن أفصح الكلام وأبلغه وأسراره وأجمعه لحرِّ اللفظ ونادر المعنى،

<<  <  ج: ص:  >  >>