للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأخبرني بأن العِلْمَ نُورٌ ... ونور الله لا يُهْدى لعاصي

هذه الشروط التي ذكرناها، وهذه العلوم كلها، إنما هي لتحقيق أعلى مراتب التفسير مع إضافة الاعتبارات المبهمة المنظورة في الكلمات القيمة الآتية:

أحدها: فهم حقائق الألفاظ المفردة التي أودعَها القرآن، بحيث يحقق المفسر ذلك من استعمالات أهل اللغة، غير مكتف بقول فلان وفهم فلان، فإن كثيراً من الألفاظ كانت تستعمل في زمن التنزيل لمعانٍ، ثم غلبت على غيرها بعد ذلك بزمن قريب أو بعيد.

فعلى المحقِّق المدقق أن يفسر القرآن بحسب المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزله والأحسن أن يفهم اللفظ من القرآن نفسه، بأن يجمع ما تكرر في مواضع منه، وينظر فيه، فربما استعمل بمعان مختلفة كلفظ الهداية وغيره، ويحقق كيف يتفق معناه مع جملته من الآية! فيعرف المعنى المطلوب من بين معانيه. وقد قالوا: إن القرآن يفسر بعضه بعضاً، وإن أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ موافقته لما سبق له من القول، واتفاقه مع جملة المعنى، وائتلافه مع القصد الذي جاء له الكتاب بجملته.

ثانيها: الأساليب، فينبغي أن يكون عنده من علهما ما يفهم به هذه الأساليب الرفيعة وذلك يحصل بممارسة الكلام البليغ ومزاولته، مع التفطُّن لنكته ومحاسنه، والوقوف على مُراد المتكلم منه. نعم إننا لا نتسامى إلى فهم مُراد الله تعالى كله على وجه الكمال والتمام. ولكن يمكننا فهم ما نهتدي به بقدر الطاقة ويحتاج في هذا إلى علم الإعراب. وعلم الأساليب (المعاني والبيان). ولكن مجرد العلم بهذه الفنون وفهم مسائلها وحفظ أحكامها لا يفيد المطلوب. ترون في كتب العربية أن العرب كانوا مُسدَّدِين في النطق، يتكلمون بما يوافق القواعد قبل أن توضع أتحسبون أن ذلك كان طبيعياً لهم؟ كلا. وإنما هي ملكة مكتسبة بالسماع والمحاكاة، لذلك صار أبناء العرب أشدَّ عجمةً من العجم عندما اختلطوا بهم، ولو كان طبيعياً ذاتياً لهم، لما فقدوه في مدة خمسي سنة من بعد الهجرة.

ثالثها: علم أحوال البشر، فقد أنزل الله هذا الكتاب وجعله آخر الكتب وبين فيه ما لم يبينه في غيره، وبين فيه كثيراً من أحوال الخلق وطبائعه وسننه الإلهية في البشر، وقصَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>