للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

علينا أحسن القصص عن الأمم وسيرها الموافقة لسنته فيها. فلابدَّ للناظر في هذا الكتاب من النظر في أحوال البشر في أطوارهم وأدوارهم ومناشيء اختلاف أحوالهم، من قوة وضعف، وعز وذل، وعلم وجهل وإيمان وكفر. ومن العلم بأحوال العالم الكبير علويه وسفليه. ويحتاج في هذا إلى فنون كثيرة؛ من أهمها التاريخ بأنواعه.

أجمل القرآن الكلام عن الأمم، وعن السنن الإلهية، وعن آياته في السماوات والأرض وفي الآفاق والأنفس، وهو إجمالٌ صادرٌ عمن أحاط بكل شيء علماً. وأمرنا بالنظر والتفكير والسير في الأرض لنفهم إجماله بالتفصيل الذي يزيدنا ارتقاء وكمالاً ولو اكتفينا من علم المكون بنظرة في ظاهره، لكنَّا كمن يعتبر الكتاب بلون جلده، لا مما حواه من علم وحكمة.

رابعها: العلم بوجه هداية البشر كلهم بالقرآن، فيجب على المفسر القائم بهذا الفرض الكفائي أن يعلم ما كان عليه الناس في عصر النبوَّة من العرب وغيرهم لأن القرآن ينادي بأن الناس كلهم كانوا في شقاء وضلال، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث به لهدايتهم وإسعادهم، وكيف يفهم المفسر ما قبحته الآيات من عوائدهم على وجه الحقيقة أو ما يقرب منها إذا لم يكن عارفاً بأحوالهم وما كانوا عليه. يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية". والمراد أن من نشأ في الإسلام، ولم يعرف حال الناس قبله، يجهل تأثير هدايته وعناية الله بجعله مغيراً لأحوال البشر، ومخرجاً لهم من الظلمات إلى النور.

خامسها: العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما كانوا عليه من علم وعمل وتصرف في الشؤون دنيويها وأخرويها. اهـ. من مناهل العرفان.

إذا عرفت ما ينبغي أن يتوفر في المفسر الكامل عرفت أن المفسر الكامل، إذا أراد أن يراعي كل أدوات التفسير فإنه يمكن أن يصل تفسيره إلى عشرات المجلدات، ولذلك فإن المفسرين كانوا على طبقات فمنهم من جمع مختصراً، ومنهم من جمع متوسعاً، ومنهم من اقتصر على أن يركز على علوم بعينها، وقد كثرت التفاسير، فلمع في كل عصر مفسرون كبار خدموا كتاب الله عز وجل الخدمة التي رأوا أن عصرهم يحتاجها، فوجد عندنا مالا

<<  <  ج: ص:  >  >>