للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله تعالى قال {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قال كان الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفر الله لي فأنزل الله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

٢٥٢٠ - * روى أحمد عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: الرجل يحملُ على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال: لا، لأن الله عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وسلم فقال: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} إنما هو في النفقة.

أقول: لعل ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أوضح مثال على أن النص القرآني تأخذ منه معنى، وتأخذ من محله في سياقه القريب السابق معنى، ومن سياقه القريب اللاحق معنى، ومن سياقه العام معنى، فهذا النص جاء في سياق الأمر بالإنفاق، فأخذ بعضهم من ذلك معنى: أن ترك الإنفاق إلقاء بالنفس إلى التهلكة. وجاء بعده قوله تعالى: (وأحسنوا) فاخذ بعضهم من ذلك: أن القنوط من رحمة الله إلقاء بالنفس إلى التهلكة، وجاء قبل هذه الآية آيات القتال فأخذ بعضهم منها، أن إلقاء النفس إلى التهلكة هو: ترك القتال في سبيل الله تعالى.

واستشهد عمرو بن العاص بقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} عندما صلى بأصحاب دون اغتسال من الجنابة خوف الهلاك فأخذ بظاهر النص، وهكذا تجد من خلال ظاهر النص وسياقه القريب سواء كان سابقاً أو لاحقاً، ومن السياق العام تتولد معانٍ كثيرة، ولقد أبرزنا هذا الموضوع في تفسيرنا وأبرزنا أن لكل سورة سياقها الخاص بها على ضوء محورها، وأن للقرآن كله سياقه، وبذلك أوضحنا أنه بسبب ذلك تتولد معانٍ لا حصر لها من هذا القرآن العظيم وذلك من معجزات هذا القرآن.

قال ابن جرير الطبري ٢/ ١١٩ بعد ذكر عدة معانٍ للإلقاء بالتهلكة (١):

فإذا كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولم يكن الله عز


٢٥٢٠ - أحمد (٤/ ٢٨١).
مجمع الزوائد (٥/ ٣٢٨) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير سليمان بن داود الهاشمي وهو ثقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>