للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن تأمُرهم، وإما أن آمُرَهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يُخْسَفَ بي أو أُعذب، فجمع الناس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وقعدوا على الشُّرَف، فقال: إن الله أمرني بخمس كلمات: أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن، أولهن: أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً، فإن مثل من أشرك بالله شيئاً كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق، فقال: هذه داري، وهذا عملي، فاعمل وأدِّ إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صلَّيتُم فلا تلتفتوا، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابة معه صُرَّة فيها مسك، كلهم يعجب - أو يعجبه - ريحها، وإنَّ ريح الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك، وآمرُكم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوُّ، فأوثقوا يديه إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفدي نفسي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً، حتى إذا أتى على حصن حصين أحرز نفسه منهم، وكذلك العبدُ لا يُحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعةُ، والجهادُ، والهجرةُ، والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شِبْر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يُراجع، ومن دعا دعوى الجاهلية، فإنه من جثيِّ جهنم"، فقال رجل: يا رسول الله وإن صام وإن صلَّى؟ قال: "وإن صام وإن صلَّى، فادْعوا بدعوى الله التي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله".


(العصابة): الجماعة من الناس، قيل: تبلغ الأربعين.
(الرِّبْقَة) في الأصل: حبلٌ فيه عُرىً كثيرة تُشد به الغنم، الواحدة منها رِبْقة، فاستعار للإسلام ربقة، يعني بها: العروة يشُد بها المسلم نفسه من عُرى الإسلام.
(جُى): جمع جثوة بالضم، وهي الشيء المجموع من جماعات جهنم، هذا فيمن رواه مخففة، ومن رواها "جُثِيّ"- مشددة - فإنه أراد الذين يجثون على الركب، واحدها: جاثٍ، من قوله تعالى: (حول جهنم جثياً) [مريم: ٦٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>