للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مقدمة

لم يزل مفكرو العالم يحاولون الوصول إلى نظرية مثلى في الخير والشر، في الفضيلة والرذيلة وتجد في ثنايا أبحاثهم خلطاً كثيراً وسقوطاً كثيراً وتحليقاً قليلاً، وفي هذه الحالات القليلة تجد شيئاً من تضخم أو ضمور، وإذا ما حاولت أن ترى لهذه النظريات محلاً في السلوك الإنساني فإنك لا تجده إلا نادراً، ومن مظاهر رحمة الله للعالم أنه بعث لهم رسلاً يدلونهم بأخصر طريق على الخير والشر وعلى الفضيلة والرذيلة، ويدلونهم على الطريق للتحقق بالفضيلة، ويدلونهم على ما يجنبهم الشر والرذيلة، وكما يدلونهم على طريق الخير وعلى الأسباب التي يصلون بواسطتها إلى الخير، فإنهم يدلونهم أن يستلهموا الله عز وجل الهداية لزكاة أنفسهم، لأنه لا زكاة لهذه النفس المعقدة التركيب إلا بالله، وقال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} (١) وهكذا تجد الإسلام بين طريق الخير وطريقا لشر، وبين الطريق إلى التحقق بالخير والنأي عن الشر، وعلم الإنسان أن يستلهم الله عز وجل التوفيق، وبسبب من هذا كله تجد المسلم الحق أعرف الخلق بما هو خير وبما هو شر وتجد الخير سلوكاً عملياً عنده، وإن من معجزات الإسلام أنه يأخذ بيد المسلم نحو المعرفة والسلوك بوسائل شتى، وإنك إذا تأملت فصلي هذا الباب فإنك تجد المعجزة واضحة فمن خلال الدعوات والاستعاذات تتعرف على الخير والشر، ومن خلال الدعاء والاستعاذة تتعرف على الله عز وجل، وتستلهمه البعد عن الشر والتحقق بالخير، لأنه هو وحده الذي يملك الهداية إلى الطريق الأقوم بالتعريف والتوفيق.

فانظر إلى فصلي هذا الباب محاولاً التعرف على ما هو خير وشر، وأقبل على الله بالدعاء والاستعاذة لتعرض نفسك لنفحات الله عز وجل.

وبهذه المناسبة نقول: إن أعظم الدعوات المطلقة، وأعظم الاستعاذات هو ما ورد في القرآن الكريم، فمن اجتمع له من الدعوات والاستعاذات ما ورد في الكتاب والسنة وأقبل على الله بذلك فقد اجتمع له خير كثير.


(١) النور: من ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>