للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَنْوِه. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومالكٌ. ولأصْحابِ الشافعىِّ وَجْهانِ؛ أحدُهما، أنَّه غيرُ صَرِيحٍ؛ لأنَّه مصْدرٌ، والأعْيانُ لا تُوصَف بالمصادِرِ إلَّا مَجازًا. ولَنا، أنَّ الطَّلاقَ لفظٌ صريحٌ، فلم يفْتَقِرْ إلى نِيَّةٍ، كالمُتَصرِّفِ منه (١)، وهو مُسْتَعْملٌ في عُرْفِهم، قال الشَّاعرُ (٢):

أنَوَّهْتِ باسْمِىَ في العالَمِينَ ... وأفْنَيْتِ عُمْرِىَ عامًا فعامَا

فأنتِ الطَّلاقُ وأنتِ الطَّلاقُ ... وأنتِ الطَّلاقُ ثلاثًا تَمامَا

قولُهم: إنَّه مَجازٌ. قُلْنا: نعم، إلَّا أنَّه يَتَعَيَّنُ (٣) حمْلُه على الحقيقةِ، ولا مَحْمَلَ له يَظهرُ سِوَى هذا المحْمَلِ، فَتَعَيَّنَ فيه. إذا ثَبَتَ ذلك، فإنَّه إذا قال: أنتِ الطَّلاقُ. أو: الطَّلاقُ لى لازِمٌ. أو: الطَّلاقُ يَلْزَمُنِى. أو: علىَّ الطَّلاقُ. فهو بِمَثابةِ قوْلِه: الطَّلاقُ يَلْزَمُنِى؛ لأَنَّ مَن يَلْزَمُه شئٌ يَضُرُّه، فهو عليه كالدَّيْنِ، وقد اشْتَهَرَ اسْتِعمالُ هذا في إيقاعِ الطَّلاقِ، فهو صَرِيحٌ؛ فإنَّه يُقال لمَنْ وقَعَ طَلاقُه: لَزِمَه الطَّلاقُ. وقالوا: إذا عَقَلَ الصَّبِىُّ الطَّلاقَ، فطَلَّقَ لَزِمَه. ولعَلَّهم أرادُوا: لَزِمَه حُكْمُه. فحَذَفُوا المُضافَ، وأقامُوا المُضافَ إليه مُقامَه، ثم اشْتَهَرَ ذلك حتى صارَ مِن الأسْماءِ العُرْفِيَّةِ، وانْغَمَرتِ الحقيقةُ فيه. ويَقعُ ما نَوَاه مِن (١) واحدةٍ أو اثْنَتَيْنِ أو ثلاثٍ.


(١) سقط من: م.
(٢) نسبهما ابن قتيبة إلى أعرابى قالهما في امرأته. عيون الأخبار ٤/ ١٢٧.
(٣) في النسختين: «يتعذر» والمثبت من المغنى ١٠/ ٣٥٩.