للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (١). وإنَّما تَشَعَّثَ النَّكاحُ بالطَّلْقَةِ، وانْعَقَدَ بها (٢) سَبَبُ زوالِه، فالرَّجْعَةُ تُزِيلُ شَعَثَهُ، وتَقْطَعُ مُضِيَّه إلى البَينُونَةِ، فلم تَحْتَجْ لذلك إلى ما يَحْتَاجُ إليه ابْتِداءُ النِّكاحِ. فأمَّا الإشْهادُ ففيه رِوايَتانِ؛ إحْداهما، يَجِبُ. وهذا أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ؛ لأن اللهَ تعالى قال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ}. وظاهرُ الأمْرِ الوُجُوبُ، ولأنَّه اسْتِباحَةُ بُضْعٍ مقْصودٍ، فوَجَبَتِ الشَّهادةُ فيه، كالنِّكاحِ، وعَكْسُهُ البَيعُ. والرِّوايةُ الثَّانِيَةُ، لا تَجِبُ الشَّهادَةُ. وهي اخْتِيارُ أبي بكرٍ، وقَوْلُ مالكٍ، وأبي حنيفةَ؛ لأنَّها لا تَفْتَقِرُ إلى قَبُولٍ، فلم تَفْتَقِرْ إلى شَهادَةٍ، كسائِرِ حُقُوقِ الزَّوْجِ، ولأنَّ ما لايُشتَرَطُ فيه الوَلِيُّ لا يُشتَرطُ فيه الإشْهادُ، كالبَيعِ. وهذه أوْلَى إن شاءَ اللهُ تعالى، ويُحْمَلُ الأمْرُ على الاسْتِحْبابِ، ويُؤَكِّدُ ذلك أنَّ الأمْرَ بالشَّهادَةِ عَقِيبَ قولِه: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ}. فهو يرجِعُ إلى أقْرَبِ المَذْكُورَينِ يقينًا، ولا تَجِبُ الشهادةُ فيه، فكذلك ما قبلَه، وهو قوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ}. بطريقِ الأوْلَى. ولا خِلافَ بينَ أهلِ العلمِ


(١) سورة البقرة ٢٢٩.
(٢) في النسختين: «لها». وانظر المغني ١٠/ ٥٥٩.