للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم ضَرَب عُنُقَه آخَرُ، فالثانى هو القاتلُ؛ لأنَّه لم يَخْرُجْ بجُرْحِ الأَوَّلِ مِن (١) حُكْمِ الحياةِ، فيكونُ الثانى هو المُفَوِّتَ لها، فعليه القِصاصُ في النَّفْسِ، والدِّيَةُ كاملةً إن عَفا عنه. ثم نَنْظُرُ في جُرْحِ الأَوَّلِ، فإن كان مُوجِبًا للقِصاصِ، كقَطْعِ الطَّرَفِ، فالوَلِىّ مُخَيَّرٌ بينَ قَطْعِ طَرَفِه والعَفْوِ على دِيَتِه، أو العَفْوِ مُطْلَقًا، وإن كان لا يُوجِبُ القِصاصَ، كالجائِفَةِ ونحوِها، فعليه الأَرْشُ. وإنَّما جَعَلْنا عليه القِصاصَ؛ لأَنَّ الثانىَ بفِعْلِه قَطَع سِرايَةَ الأَوَّلِ، فصار كالمُنْدَمِلِ الذى لا يَسْرِى. وهذا مَذْهَبُ الشافعىِّ. ولا أعْلَمُ فيه مُخالِفًا. ولو كان جُرْحُ الأَوَّلِ يُفْضِى إلى المَوْتِ لا مَحالةَ، إلَّا أنَّه لا يَخْرُجُ به مِن حُكْمِ الحياةِ، وتَبْقَى معه الحياةُ المُسْتَقِرَّةُ، مثلَ خَرْقِ المِعَى، أو أُمِّ الدِّماغِ، فضَرَبَ الثانى عُنُقَه، فالقاتلُ هو الثانى؛ لأنَّه فَوَّتَ حياةً مُسْتَقِرَّةً، وقَتَل مَن هو في حُكْمِ الحياةِ، بدليلِ أنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، لَمَّا جُرِح دَخَل عليه الطَّبِيبُ فسَقَاه لَبَنًا، فخَرَجَ يَصْلِدُ (٢)، فعَلِمَ الطَّبِيبُ أنَّه مَيِّت، فقال: اعْهَدْ إلى الناسِ.


(١) في ق، م: «عن».
(٢) يصلد: يبرق. النهاية في غريب الحديث والأثر ٣/ ٤٦.