للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخَطَأَ، فلا نَعْلَمُ خِلافًا في أنَّها على العاقِلَةِ. قال ابنُ المُنْذِرِ (١): أجْمَعَ على هذا كُلُّ مَن نَحْفَظُ عنه بِن أهلِ العلمِ، وقد ثَبَتَتِ الأخْبارُ عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قَضَى بدِيَةِ الخَطأُ على العاقِلَةِ، وأَجْمَعَ أهْلُ العلمِ على القولِ به. ولأَنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَعَلَ دِيَةَ عَمْدِ الخَطأُ على العاقِلَةِ، بما قد رَوَينا من الحدِيثِ، وفيه تَنْبِيهٌ على أنَّ العاقِلَةَ تَحْمِلُ دِيَةَ (٢) الخَطَأُ. والحِكْمَةُ في ذلك أنَّ جِناياتِ الخَطأَ تَكْثُرُ، ودِيةَ الآدَمِىِّ كثيرةٌ، فإيجابُها على الجانِى في مالِه يُجْحِفُ به، فاقْتَضَتِ الحِكْمَةُ إيجابَها على العاقِلَةِ، على سبيلِ المُواساةِ للقاتلِ، والإعانةِ له، تَخْفِيفًا عنه، إذ (٣) كان مَعْذُورًا في فِعْلِه.

فصل: فأمَّا الكَفَّارةُ، ففى مالِ القاتلِ لا يَدْخُلُها تَحَمُّلٌ. وقال أصْحابُ الشافعىِّ: تكونُ في بَيْتِ المالِ، في أحدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّها تَكْثرُ، فإيجابُها عليه يُجْحِفُ به. ولَنا، أنَّها كَفَّارة، فاخْتَصَّتْ بمَن وُجِدَ منه سَبَبُها، كسائِرِ الكَفَّاراتِ، وكما لو كانت صَوْمًا. ولأَنَّ الكَفَّارةَ شُرِعَتْ للتَّكْفِيرِ عن الجانِى، ولا يُكَفَّرُ عنه بفِعْلِ غيرِه، وتُفارِقُ الدِّيَةَ، فإنَّها إنَّما شُرِعَتْ لجَبْرِ المَحَلِّ، وذلك يحْصُلُ بها كيْفما كان. ولأَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا قَضَى بالدِّيَةِ على العاقِلَةِ، لم يُكَفِّرْ عن القاتِلَةِ (٤). وما ذكَرُوه


(١) انظر: الإشراف ٣/ ١٢٧، الإجماع ٧٤.
(٢) بعده في تش: «عمد».
(٣) في م: «إذا».
(٤) في تش: «العاقلة» وانظر ما تقدم تخريجه في صفحة ٣٨.