للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فصل: وتُباحُ المُحَرَّماتُ عندَ الاضْطِرارِ، في الحَضَرِ والسَّفَرِ جميعًا؛ لأنَّ الآيَةَ مُطْلَقَةٌ، غيرُ مُقَيَّدَةٍ بإحْدَى الحالتَين، وقولُه سبحانه: {فَمَنِ اضْطُرَّ} (١). لَفْظٌ عامٌّ في كلِّ مُضْطَرٍّ، ولأنَّ الاضْطِرارَ يكونُ في الحَضَرِ في سَنَةِ المَجاعَةِ، وسَبَبُ الإِباحَةِ الحاجَةُ (٢) إلى حِفْظِ النَّفْسِ عنِ الهَلاكِ؛ لكونِ هذه المصْلَحَةِ أعْظَمَ مِن مَصْلَحَةِ اجْتِنابِ النَّجاساتِ، والصِّيانَةِ عن تَناوُلِ المُسْتَخْبَثاتِ، وهذا المعنى عامٌّ في الحالين. وظاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّ المَيتَةَ لا تَحِلُّ لِمَن يَقْدِرُ على دَفْعِ ضَرورَتِه بالمسألةِ. ورُوِيَ عن أحمدَ أنَّه قال: أكْلُ المَيتَةِ إنَّما يكونُ في السَّفَرِ. يعني أنَّه في الحَضَرِ يُمْكِنُه السُّؤالُ. وهذا عن أحمدَ خَرَج مَخْرَجَ الغالِبِ، فإنَّ الغالِبَ أنَّ الحَضَرَ يُوجَدُ فيه الطَّعامُ الحلالُ، ويُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرورَةِ بالسُّؤَالِ، ولكنَّ الضَّرُورَةَ أمْرٌ مُعْتَبَرٌ بوُجُودِ حقِيقَتِه، لا يُكْتَفَى فيه بالمَظِنَّةِ، بل متى وُجِدَتِ الضَّرورَةُ أباحَتْ، سواءٌ وُجِدَتِ المَظِنَّةُ أو لم تُوجَدْ، ومتى انتَفَتْ، لم يُبَحِ الأكلُ لوجُودِ مَظِنَّتِها بحالٍ.

فصل: قال أصْحابُنا: ليس للمُضْطَرِّ في سَفَرِ المَعْصِيَةِ الأكلُ مِن المَيتَةِ، كقاطِعِ الطَّريقِ، والآبِقِ؛ لقولِ الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيهِ}. قال مجاهِدٌ: غَيرَ بَاغٍ على المسلمين وَلَا


(١) من سورة البقرة ١٧٣، والمائدة ٣، والأنعام ١٤٥، والنحل ١١٥.
(٢) في الأصل: «الخاصة».