للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

طالَبَهم بالزكاةِ، وقاتَلَهم عليها، وقال: واللَّه لِو مَنَعُونِى عَناقًا كانوا يُؤَدُّونَها إلى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقاتَلْتُهم عليها (١). ووافَقَه الصحابةُ على هذا, ولأنَّ ما للإِمامِ قَبْضُه بحُكْمِ الوِلايةِ، لا يَجُوزُ دَفْعُه إلى المُوَلَّى عليه، كوَلِىِّ اليَتِيمِ. وللشافعىِّ قَوْلان كالمَذْهَبَيْن. ولَنا على جَوازِ دَفْعِها بنَفْسِه، أنَّه دَفَعَ الحَقَّ إلى مُسْتَحِقِّه الجائِزِ تَصَرُّفُه فأجْزَأه، كما لو دَفَع الدَّيْنَ إلى غَرِيمِه، وكزكاةِ الأَمْوال الباطِنَةِ، والآيَةُ تَدُلّ على أنَّ للإِمام أخذَها, ولا خِلافَ فيه، ومُطالَبَة أبى بكرٍ لهم بها لكَوْنِهم لم يُؤَدُّوها إلى أَهْلِها, ولو أدَّوْها إلى أهْلِها لم يُقاتِلْهم عليها؛ لأنَّ ذلك مُخْتَلَفٌ في إجْزائِه، ولا تَجُوزُ المُقاتَلَةُ مِن أجْلِه، وإنَّما يُطالِبُ الإِمامُ بحُكْمِ الوِلايَةِ والنِّيابَةِ عن مُسْتَحِقِّها، فإذا دَفَعَها إليهم جاز؛ لأنَّهم أهلُ رُشْدٍ، بخِلافِ اليَتِيمِ. وأمّا وَجْهُ فَضِيلَةِ دَفْعِها بنَفْسِه؛ فلأنَّه إيصالٌ للحَقِّ إلى مُسْتَحِقِّه، مع تَوْفِيرِ أجْرِ العِمالَةِ، وصِيانَةِ حَقِّهم عن خَطرَ الجِنايَةِ، ومُباشَرَةِ تَفْرِيجِ كُرْبَةِ مُسْتَحِقِّها، وإغْنائِه بها، مع إعْطائِها للأوْلَى بها، مِن مَحاوِيجِ أقارِبِه، وذوى رَحِمِه، وصِلَةِ رَحِمِه بها، فكان أفْضَلَ، كما لو لم يكنْ آخِذُها مِن أهلِ العَدْلِ. فإن قِيلَ: فالكَلامُ في الإِمامِ العادِلِ، والخِيانَةُ مَأْمُونَةٌ في حَقِّه. قُلْنا: الإِمامُ لا يَتَوَلَّى ذلك بنَفْسِه، وإنَّما يُفَوِّضُه إلى نُوَّابِه، فلا تُؤْمَنُ منهم


(١) تقدم تخريجه في ٣/ ٣١.