للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولأنَّ إحْراقَ المتاعِ إضاعَةٌ له، وقد نَهَى النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إضاعَةِ المالِ. ولَنا، ما روَى صالحُ بنُ محمدِ بنِ زائِدَةَ، قال: دخَلْتُ مع مَسْلَمَةَ أرْضَ الرُّومِ، فأُتِىَ برَجُلٍ قد غَلَّ، فسألَ سالِمًا عنه، فقال: سَمِعْتُ أبى يُحَدِّثُ، عن عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، عن النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: «إذَا وَجَدْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ، فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ، واضْرِبُوهُ». قال: فوَجَدْنا في مَتاعِه مُصْحَفًا، فسألَ سالِمًا عنه، فقال: بِعْه، وتَصَدَّقْ بثَمَنِه. رَواه سعيدٌ، وأبو داودَ، والأثْرَمُ (١). وروَى عمرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبا بكرٍ وعُمَرَ، أحْرَقُوا مَتاعَ الغالِّ. رَواه أبو داودَ (٢). فأمّا حدِيثُهم، فلا حُجَّةَ لهم فيه؛ فإنَّ الرجلَ لم يَعْتَرِفْ أنَّه أخَذَ ما أخَذَه على سبيلِ الغُلولِ، ولا أخَذَه لنَفْسِه، وإنَّما تَوانَى في المَجِئِ به، وليس الخِلافُ فيه، ولأنَّ الرجلَ جاءَ به مِن عندِ نفْسِه تائِبًا مُعْتَذِرًا، والتَّوْبَةُ تَجُبُّ ما قبلَها. وأمّا النَّهْىُ عن إضاعَةِ المالِ، فإنَّما نَهَى عنه إذا لم يكُنْ فيه مصْلَحَةٌ، فأمَّا إذا كان فيه مَصْلَحَةٌ، فلا بَأْسَ، ولا يُعَدُّ تَضْيِيعًا، كإلْقاءِ المتاعِ في البَحْرِ عندَ خَوْفِ الغَرَقِ، وقَطْعِ يدِ العَبْدِ السّارِقِ، مع أنَّ المالَ لا تكادُ المصْلَحَةُ تَحْصُلُ به إلَّا بذهابِه، فأكْلُه إتْلافُه،


(١) أخرجه أبو داود، في: باب في عقوبة الغال، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود ٢/ ٦٣. وسعيد، في: باب في عقوبة من غل، من كتاب الجهاد. السنن ٢/ ٢٦٩.
كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في الغال ما يُصنع به، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٤٧. والدارمى، في: باب في عقوبة الغال، من كتاب السير. سنن الدارمى ٢/ ٢٣١.
(٢) في: باب في عقوبة الغال، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود ٢/ ٦٣.