للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" المسألة الخامسة" (١)

" الباء" الداخل على فعل متعد بنفسه للتبعيض خلافًا للحنفية. فإنا نفرق ضرورةً بين قولنا (مسحت المنديلَ وقولنا مسحت بالمنديل) في إفادة الأول: الشمول، والثاني: التبعيض.

احتجوا بأمرين:

أ- قولنا: كتبت بالقلم وطفت بالبيت، إنما يفيد إلصاق الفعل بالمفعول به.

ب- قال ابن جني: كون الباء للتبعيض لم يعرفه أهل اللغة (٢).

والجواب عن:

أ- إن النزاع في فعلِ متعد بنفسه والطواف هو الدوران حول جميع البيت.

ب- إنه شهادة على النفي.


(١) ذكر جمال الدين الإسنوي رحمه الله في نهاية السول ١/ ٣٠٤ أن الأصوليين أوردوا هذه المسألة ظنًا منهم أن الشَّافعيّ ذهب في المسح لجزء من الرأس لأجل الباء. ثم قال وليس الأمر كذلك بل اكتفى بمسح الجزء لصدق الاسم عليه كما ستعرفه في المجمل والمبين.
(٢) نفى ابن جني كون أهل اللغة تعرف أن الباء للتبعيض وهذا مخالف لما ذكره ابن هشام في المغني بأن "للباء" أربعة عشر معنى وذكر منها التبعيض وقال: إنه قال به (الأصمعيّ والفارسي وابن مالك) وقد جعل منه قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} والذي يظهر لي أن أهل اللغة أَيضًا كانوا يخضعون لمذاهبهم الفقهية والاعتقادية. كمخالفة الزمخشري لأهل اللغة في أنَّ "لن" للتأييد ليتناسب مع معتقده في الاعتزال بعدم إمكان رؤية الله في الآخرة، بقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} وعلى العموم معظم الأحناف ينكرون كون الباء للتبعيض، وكان يحسن من ابن جني أن ينفي علمه بذلك عن أهل اللغة، وأن لا ينفي العلم عن أهل اللغة بذلك. لأن من عَلمَ حجة على من لم يعلم. انظر المغني لابن هشام ١/ ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>