للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيجاب الفعل يقتضي استحقاق الذم على الترك، وذلك لا ينفي قيام واجب آخر مقامه وإنما علم عدم وجوب غيره بالعقل، إذ

الواجب بالشرع ما يدل عليه دليل شرعي، فلا يكون ذلك نسخاً.

وكذلك لو (١) خُيِّر بين أمريْن ثم خُيِّر بينهما وبين ثالث. ومن قال الحكم بالشاهد واليمين نسخ لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ (٢) فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (٣) يلزمه أن يكون الوضوء بالنبيذ نسخاً لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (٤).

ولقائل أن يقول (٥): حظر ترك الواجب معلوم من لفظ الأمر، لما سبق أن الأمر يقتضي المنع من الترك.


(١) مثال ذلك لو خير بين أمرين كالإطعام والصيام ثم خير بينهما، وبين ثالث وهو الِإعتاق إذ معنى التخيير أولاً: أن الإطعام أو الصيام لا بعينه واجب، والغير لا يقوم مقامهما. وإدخال الِإعتاق رفع هذا النفي، وهو عدم قيام غيرهما مقامهما. ولكنه لا يسمى نسخاً، لأن هذا النفي ثبت بحكم العقل، فهو حكم عقلي. فلو ألزمت الحنفية الشافعية بأنها تقول بالنسخ بخبر الواحد،
مثل القول بالشاهد واليمين الثابت بالآحاد، يكون نسخاً لذلك التخيير الثابت بالقرآن.
وللشافعية الرد على الحنفية بتجويزهم الوضوء بالنبيذ الثابت بحديث ليلة الجن الضعيف، مع أن القرآن نزل بالتخيير بين الغسل والتيمم. وجوابهم يكون جوابا للشافعية. بل في الحقيقة حديث الوضوء بالنبيذ لا يصلح للحجية، فضلا عن أن يكون ناسخاً والكلام فيه قد بيناه في صفحة (٢/ ١٨٩) من هذا الكتاب.
(٢) سقط من (د) رجلين.
(٣) [البقرة: ٢٨٢].
(٤) [النساء: ٤٣].
(٥) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على الإمام الرازي- رحمهما الله- أن الأمر يقتضي المنع من الترك والتخيير في الصورتين المتقدمتين، لا يقتضي المنع من الترك حيث يجوز ترك الأمرين الأولين وفعل الثالث فهو نسخ. وقد أجاب بدر الدين التستري بأن الأمر يقتضي المنع من الترك مطلقاً. وفي الصورتين المتقدمتين أبيح الترك بشرط فعل البديل الثالث، وكذلك المنع من الترك لم يستفد من اللفظ، بل من العقل. فرفعه لا يسمى نسخاً (حل عقد التحصيل: لوحة ٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>