للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والسنّة المطهرة بأنواعها الثلاثة القولية والفعلية والتقريرية، والاجتهاد في استنباط الأحكام منهما الذي حثّ عليه ودرّب قضاته في حياته عليه الصلاة والسلام.

وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - اجتهدت الصَّحَابَة فيما اعترضها من حوادث ومن طبيعة الاجتهاد أن تختلف الآراء فقد تجد في المسألة الواحدة أقوالًا متعددة لهم مما يدل على أن الحكم فيها كان عن اجتهادٍ لا عن نص، ولو كان عن نص ما اختلفوا أبدًا لأنهم كانوا يعظمون النصوص فلا يخالفونها أبدًا، وكان إذا نزلت بهم نازلة سألوا عن من سمع فيها شيئًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك لما عرض لعمر رضي الله عنه أمر المجوس، وهل يأخذ منهم الجزية، توقف في ذلك حتَّى سأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشهد عبد الرَّحْمَن بن عوف رضي الله عنه على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سُنوا بهم سنة أهل الكتاب" (١).

فأخذ منهم الجزية. وكذلك لما جاءت الجدة تطلب الميراث من أبي بكرٍ رضي الله عنه سأل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل سُمع منه في ذلك شيء.

"فأخبر المغيرة بن شعبة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس" (٢). وشهد له محمَّد

بن مسلمة بذلك. وغير ذلك من الحوادث كثير جدًا. وهذا يدل على أن الصَّحَابَة رضوان الله عليهم لا يلجأون للاجتهاد إلَّا بعد أن يستنفذوا الوسع في عدم وجود النص، سواء أكان من القرآن أم من السنّة المطهرة بأقسامها الثلاثة، ولم يتجرأ أحد منهم أن يترك النص الصريح للعقل أبدًا.

وقد اجتهد الصَّحَابَة في أحكام كثيرة ونقلت لنا الكتب بين صفحاتها الكثير من آرائهم، وقد ساعدهم في ذلك ما خلفه لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تراثٍ عظيم فيه خبر ما قبلهم وما بعدهم، وقد كانوا على دراية تامة بألفاظ القرآن ومرامي التشريع، وبأسباب النزول لأنهم عاصروا التنزيل، ورافقوا تطبيق الأحكام، وكانوا على علم بالسنة المطهرة يحفظونها عن ظهر قلب

غضة طرية يتذكرون المجالس التي قيلت فيها والحوادث التي نزلت من


(١) انظر تخريج الحديث في صفحة (١/ ٢٨٠) من الجزء التحقيقي.
(٢) انظر تخريج الحديث في صفحة (١/ ٣٩٠) من الجزء التحقيقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>